المتابع للإبداع أو دعنا نقول الناقد الأدبي في زمننا الحاضر بعيداً عن المتذوق والمنتشي ببعض النصوص يختلف اختلافاً بينا عن أسلافه سوى من ناحية التحصيل أو من ناحية تناوله للمواضيع التي يمارس عليها أدواته المجلوبة من المعارف الأخرى ..إذاً العملية النقدية لم تعد تبحث في تطور التعبير وطبيعة اللغة أو ما رافق التجربة من الإصابة والتعميق الصوري ؛ فالعلوم المساعدة كالإنسانيات مثلاً قد تهيىء الملكة النقدية والتأني في قراءة النماذج وتقود بالإحساس في النهاية إلى أصول الأشياء ومكامنها الأولية .. نقول هذا من باب قد - لكننا مع هذا الكلام العارض لم نصل بعد إلى مكمن الحاجة.. فالنقد عندنا لازال أسير الطبقية والمحاولات التي تباغتنا بين الحين والآخر لا تعد عن كونها مقالات يحاول بها أصحابها تأكيد الحضور لذواتهم فحسب ..فالملاحق وكتبتها الملتزمون يختارون من يريدون التنويه عنه وأكثر ما يكون هذا المنوه عنه من غير الأدباء فإما أن يكون شاديا لم يزل يتلمس طريقه بين الزحام- دعك عن العمر- بين الزحام أو موظفا من زملائهم أرادوا له الخير في ظاهر الأمر أو أنسوا من الاقتناع والتبعية في الرأي ولهذا فهو بين كلمة وكلمة أو أنه من بلد المشرف حتى وإن كانت مدسوسة في عمق اليبيس من الصحراء وما يظنه أعرج مبتور الصلة منقطع الدابر؛ أما الفئة المنظرة الأخرى فهم من غير الوسط الصحفي وهم كتاب مقالات قبل أن يكونوا نقاداً وعندما يتعرضون أو يحاولون دارسة الأدب يظلون أبعد ما يكون عن الأثر الذي اختاروه يجدفون وبدون تحديد للمهمة التي يعرضون مفادها..لكنك تقرأ كلاما عن (الشخصانية) والوعظ والخطابيات إياها..لا علينا.. لكنني حتى الساعة لا أعتقد ان ناقداً -تجاوزا- من نقادنا أثر بخبرته في الساحة لأن سر التأثير الذي حذقه هو لايزال متصلا بشعوره وعاطفته ولذا فهو يقرأ ويكتب و يحرق الألوان دون أن يدرك الجهود المبذولة ..فهذا يغالي في الشكل إلى حد التطرف وتدفعه هذه المغالاة المتسطحة إلى حد التوقف والسكون وذلك الآخر من هيامه بالمستورد يخب ويضع في نقولات القوم وإذا شاطرته فبالصلمي والشرمي والعالق في الذهن أنه أحد الهاربين عن واقعه إلى ما لا نهاية وقد تجده وقد لا تجده إلا ان العلائق الرئيسة في الإمكان بأجزاء الأشياء ان تذكر لك صفاتها على مسافات بعيدة وبعيدة هي الأخرى عن فطنته وملكته ؛ هؤلاء هم النقاد عندنا إلا ما ندر..فالبنوية ونظرية (سوسير) الجديدة والمكان وما يشغله ووضعية الكلمة والمعاناة وأصالتها أمور لا ينفذ من خلالها ويدرك قيمتها ومن ثم غربلتها إلا صاحب الذوق؛ والذوق ملكة فطرية ومكتسبة والاكتساب عندي أهم وهذا لا يتوفر إلا بتكريس الجهد والتعمق في قراءة الكم الهائل من الآثار الأدبية الرفيعة؛ اما التشدق بما لا يحسنه الشخص والثرثرات الفارغة فأولى بها ان تموت وأولى بأصحابها ان يعودوا إلى التحصيل والدرس مرة أخرى ؛ قال أخو العربية ما دام انني شاعر بلغتي والجلد هذا الذي اتحسسه قطعة من خيمة ضربت بالشمس وعرفت هكذا وولدت ومعي ملكة ولساني يلثغ ب ص ض فلماذا أقول: قال بريتون وقال باوند أو اليوت..إن الشعر يجب أن يكون هكذا في لسانهم لكن ما شأني وغمغمتهم وما عسى أن تخلق لي من خلاص أو تحقق لي من ذوق؟! من الممكن أو من الضروري إن كان ولابد أن استفيد من الاستيعاب العام أو تعميق الفهم الحضاري المنظور في أشعارهم أو بعد النظر فيما وراء المظهر المادي أو ما شئت من مدلول المعاناة الأوسع من الذوات؛ لكن أن أرفل مع هذا الطابور بلا أذنين وبلا لسان وفي أي اتجاه أرادوه فهذا مطلب تأباه أمي لقد أوصتني وصيتها الخالدة ومضت ..وأقول: