من مهمات الكاتب الصحفي الملتزم أن يكون قريبا من ذوق متابعيه وان يتمثل ما في ذهنيتهم من الذكرى والاطلاع وان لا يلتزم مساراً بعينه بل ينوع ما بين الرؤية والحاضر ولهذا سيكون حديثي اليوم عن علم من أعلام الشعرية الأصيلة في هذا الزمن حتى وإن كان بعيداً عن رفقاء الإعلام وشلية بني ورق إنه الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني الذي سبق وأجريت معه حواراً مطولاً منذ عقود وكنا انذاك في باحة فندق الرشيد في بغداد ومضت الأيام ولكن العبرة بالمصداقية وتميز العطاء، لهذا أقول: لو تساءلت عن أي بلد من البلدان لكان أول ما يتبادر إلى ذهنك معرفة شعرائها وادبائها ومفكريها لأنهم الخلاصة والصفوة من الكثير الكثير ولأنهم صوت أمتهم ولسان حالها اما ما عدا ذلك فيعتبر في عرف المثقفين شيئاً يأتي ويذهب والتاريخ دائما وأبدا يكتب ويمحي ولا يثبت منه في النهاية إلا القليل بعد أن يغربل وتستبعد منه الثرثرة وحواشي وتوهمات أصحاب الجعل والفساد وإذا ذكر اليمن ذكر شاعرها وابن شاعرها إبراهيم بن أحمد الحضراني ليس لأنه الوحيد في ذلك البلد ولكن لأنه شاعر صادق في كل حياته تحس بصدقه وأنت تحدثه وتستمع إليه وهو ينشد فتحس بروعة المعاناة والحب للإنسان وللعربي بالذات ، لم يقل الحضراني شعرا مفحشا ولم يهج ولم يصانع بل كان شامخا كأبيه محبوبا من كل الأوساط ومع هذا وذاك فقد كان مقتدراً ملما قارئا جم المعرفة والحفظ غربت قصائده وشرقت في دنيا العربية فكان من النجوم القلائل في المضامر والتظاهرات الثقافية والشعرية واستحق بذلك ان يكون عين اليمن وأحد رموزها الشعرية المعاصرة ولا يسعنا إلا أن نسعد بذكره ولا يخفى أن الرجل له صلات وصداقات مع الكثيرين من الأدباء السعوديين كما أنه يعرف الكثير عن الحركة الشعرية والأدبية ودائما وابداً يذكر هذا البلد بما يستحقه من الإشادة والذكر الحسن وعندما طال بنا الجلوس رأيت أن أسأله عن أسعد اللحظات الشاعرية في حياته وما كنت أعلم أن هذا السؤال سينكأ جراحا لكن هذا هو الحاصل ..حيث قال: لقد اعدتني بهذا السؤال إلى ما يقرب من نصف قرن عندما دفعتني القرية البائسة إلى مدينة (ذمار) لأتلقى علوم العربية والفقه واجتمع بنوابغها وعلى رأسهم بل على رأس اليمن بشطريها أحمد عبدالوهاب الوريث الذي كان يرأس تحرير مجلة (الحكمة اليمانية) فقال لي وأنا أودعه وهو في طريقه إلى صنعاء لا تنس ان تراسلني وافتح مجلة الحكمة ذات يوم وإذا فيها مختارات الحكمة من الشعر القديم والحديث وكانت أول قصيدة لي تنشر ولم أصدق عيني من شدة الفرح قلت في هذه القصيدة وهي كما ترى وطنية مبكرة: فاز من شب على ما ينفع الشعب وشابا وتلقى في سبيل المجد أرزاء صعابا قل ولا تخش فما فاز امرؤ دارى وحابى إنما الماجد من لم يأل للمجد طلابا ويرى ما خالف الحق وإن جل سرابا اما فيما يتعلق بالشعر في الجزيرة العربية فمما لا شك فيه ان لكل قطر شيئا من الخصوصية ولا سيما إذا كان الشاعر متمكنا من التعبير عن أحاسيسه الخاصة أي لم يكن مقلدا وتبرز الخصوصية أكثر في الشعر الشعبي حينما يتكلم عن التقاليد والأعراف كقول بعضهم: مسكين يا طابخ الفاس تبغى المرق من حديده!! وحيث أنه كان يرأس رابطة الأدباء اليمنيين فقد سألناه عن الصفة الغالبة على شاعرية ذلك البلد الجار فقال: فيما يتعلق بالشعر في اليمن فقد اختلط الحابل بالنابل وتأثرت اليمن كما تأثرت الأقطار العربية، بالتيارات المختلفة ولا أدري هل توافقني ويوافقني القراء على أن الأديب عندما يلتزم بايدلوجية معينة يحد من انطلاقه الواسع ويصبح أدبه يدور حول دائرة ضيقة وأحسب أنني لو سألتك الجواب على هذا السؤال لوقفت حياله حائراً ؛؛ || للحديث بقية||