يتضمن مشاركة المملكة ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب 2011م، برنامجاً علمياً حافلاً تتوزع على ثلاثة محاور أساسية وهي الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية، وتطرح أوراق العمل من الجانبين السعودي والإماراتي. وشارك في الندوة الأولى كل من الأستاذ بلال ربيع البدور وكيل وزارة الثقافة في دولة الامارات العربية المتحدة والدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية بالمملكة العربية السعودية سابقا، والدكتور عبدالله الوشمي رئيس النادي الأدبي بالرياض، وقد تناول المحاضرون ثلاثة محاور الأول يتعلق بالجذور التاريخية للعلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة تحدث فيه الأستاذ بلال البدور في لمحة تاريخية موجزة عن هذه العلاقة الوثيقة التي بدأت قبل قرن من الزمان حينما كان العلماء من السعودية يأتون إلى دون الامارات ويقومون بمهنة التدريس والقضاء ثم ما تلى ذلك من دور هام لبعض العلماء الاماراتيين الذين تلقوا تعليمهم في مكة والمدينة والرياض والأحساء وأصبح لهم دور بارز في الحياة الثقافية على مستوى الخليج العربي رغم صعوبة المواصلات وقلة الامكانيات، فيما أوضح المحور الثاني من الندوة العلاقات الثقافية بين البلدين في العصر الحديث واللجان المشتركة التي يلتقي فيها المسؤولون السعوديون والإماراتيون واستعراض أهم المحطات التي مرت بها هذه الشراكة الثقافية، وقد قدم الدكتور عبدالعزيز السبيل في هذا المحور استعراضا للمقارنة بين المؤسسات الثقافية في البلدين التي تلتقي في أهدافها المشتركة وتستقي من الإرث الثقافي والتاريخي ما جعلها قريبة التشابه في التناول والطرح والأهداف الاستشرافية لمستقبل العلاقات الثقافية، وتناول المحور الثالث الدكتور عبدالله الوشمي من الناحية الأدبية وركز على ما يتعلق بالنتاج الأدبي والشعري على وجه الخصوص بحكم أنه أحد شعراء المملكة المميزين اضافة إلى أنه أكاديمي يهتم بالبحث في الجوانب الأدبية مما كان له أثره في وضع نقاط كثيرة على سطور الثقافة بين المملكة والامارات وأشار فيه إلى أن ما تحقق بين البلدين لا يرضي طموح المثقفين الذين يتطلعون إلى شراكة ثقافية فاعلة كما ثمن الدور الثقافي الرائد لإمارة الشارقة واستقطابها للعديد من الفعاليات الثقافية التي كان للمشاركة السعودية دور مهم في كثير منها. كما أقيمت ندوة ثقافية تحت عنوان (لمحات في تاريخ الجزيرة العربية المعاصرة) قدم فيها كل من الدكتور عبدالله إبراهيم العسكري عضو مجلس الشورى والأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض والدكتور إسماعيل بن محمد البشري عضو مجلس الشورى ورقتي عمل ركزت هذه الندوة على مدى الارتباط التاريخي والثقافي والاقتصادي والجغرافي والقيمي بين دول منطقة الخليج العربي وبما فيها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبيّن المحاضرون أن كلا من المملكة والإمارات تأثرتا بعضهما البعض انطلاقا من المجريات والأحداث التاريخية لكلا البلدين وما يجري من حولهما في المنطقة، وتحدث الدكتور عبدالله ابراهيم عن أن منطقة الخليج العربي والدول المطلة عليها شكلت أهم محور لسياسة المملكة الإقليمية الخارجية، وذلك لعديد من الأسباب من أهمها الارتباط الأسري والقبلي والتاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي تتمتع به دول الخليج العربية، وكذلك التماثل إلى حد التطابق للأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلى ذلك ألقى الدكتور محمد بن عبدالعزيز العوهلي وكيل وزارة التعليم العالي للشؤون التعليمية في المملكة العربية السعودية أمس محاضرة بعنوان (مخرجات التعليم العالي وسوق العمل الخليجي)، وذلك ضمن الأنشطة الثقافية السعودية في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثلاثين. وتناول الدكتور العوهلي في هذه المحاضرة الأبعاد المحددة للتعليم العالي الحديث والرؤية المستقبلية لاقتصاد القرن الحادي والعشرين والعولمة ودور التعليم العالي فيها، والفرص المتاحة وأهمية التعاون الدولي للاستفادة من العولمة. وتطرق الدكتور العوهلي إلى البعد الحضاري للتعاون الدولي من خلال الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ودورها في التنمية. وخصص جانبا من محاضرته للحديث عن الوضع الحالي للتعليم العالي بدول الخليج العربي. وتطرق في ما بعد إلى متغيرات سوق العمل بدول الخليج والسمات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في سوق العمل. ولم يغب عنه الحديث عن أهداف التعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي وأبرز التحديات المرتبطة بالعولمة في المجال التعليمي. كما تحدث من جهة أخرى عن العلاقة بين الجامعة والقطاع الخاص والسياسات والإجراءات لتحقيق المواءمة. وأكد الدكتور العوهلي على أهمية عدم ربط تخصصات المواءمة بالتقسيم الذي يفرق بين التخصص النظري والعلمي فقط بل يجب أن يرتبط بالمهارات والقدرات التي تتطلبها الوظيفة في جميع التخصصات، ودعا إلى الاعتناء العاجل بالتعليم التقني والتطبيقي الذي يتميز بعلاقة مرنة مع سوق العمل، إضافة إلى الاستفادة من أنماط التعليم الحديثة والتكنولوجيا في العملية التعليمية. وأكد على الأهمية العاجلة في توفير قواعد المعلومات في وظائف السوق واحتياجاتها. من جهة أخرى رصدت ندوة شهدتها أروقة الدورة الثلاثين من معرض الشارقة للكتاب تحت عنوان (وجهة التغيير في السياسة العربية في صنع التاريخ)، نوقش فيها قضايا الوطن والمنفى والمهمشين والثورات، شارك فيها الكاتبان مها حسن وعلي المقري والمؤرخ روبرت ليسي، وأدارها الاعلامي السعودي تركي الدخيل، كما ناقشت ملامح خط سير التغيير الحاصل في بلدان المنطقة برؤى أدبية وفكرية شقت طريقها إلى مؤلفات وضعها هؤلاء المؤلفون وهي على التوالي روايات (حبل سري)، و(اليهودي الحالي)، و(الرائحة السوداء)، وكتاب (المملكة من الداخل)، في مشهد وصفه مدير الندوة بأنه يناقش جملة من المواضيع في ندوة واحدة، لكنه يرصد في عموميته أوجه بعض التغييرات في السياسة العربية التي تمكنت من صنع تاريخها في الوطن العربي. كما أقيمت محاضرة بعنوان (المتغيرات السياسية في المنطقة العربية وموقف دول الخليج منها) للدكتور صالح المانع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، ولم تأت هذه المحاضرة في إطار الحديث عن (الربيع العربي) ببعده السياسي البحت ومواقف الدول الخليجية منه، بل حاول الدكتور صالح المانع معالجة الموضوع بعيدا عن أي توجهات سياسية خاصة والحديث عن الأمر بكل حيادية من خلال دراسة نقدية للواقع الراهن. وحاول الدكتور صالح المانع من خلال هذه المحاضرة أن يتطرق إلى مفهوم الثورة ومقوماتها وماهية الثورات العربية الحاصلة في المنطقة والبحث في الأسباب وراء اندلاعها سواء كانت من ناحية اقتصادية أو اجتماعية. وأكد الدكتور صالح على العقيدة السياسية التي تقوم عليها سياسات دول الخليج العربي مبينا أنها تقوم على مبدأ المحافظة على الاستقرار والأمن والسلم, موضحا أن دول مجلس التعاون الخليجي تؤمن بضرورة تبني الإصلاح عبر عملية تراكمية عبر الزمن، وأن تكون خطة الإصلاح مقبولة لدى معظم شرائح المجتمع حتى تصبح أساسا سياسياً واقتصادياً أشمل. كما أقيمت ندوتين الأولى بعنوان (دور مراكز الدراسات ومخازن الفكر في صناعة القرار السياسي والثقافي في الخليج)، والأخرى بعنوان (الرواية السعودية في ميزان النقد الأدبي) شاركت في الندوة الأولى الدكتورة مها بنت أمين الخياط من جامعة نورة قدمت خلالها ورقة عمل ركزت فيها على ماهية الثقافة وما تختص به دول الخليج العربي، وتحدثت عن قيمة الفن وما يمثله من جزء ثقافي للمجتمعات، وتطرقت إلى التحول الثقافي الفني في منطقة الخليج العربي. وكانت ورقة الدكتورة مها خياط مدخلا تمهيديا في إطار ندوة (دور مراكز الدراسات ومخازن الفكر في صناعة القرار السياسي)، لتكون بعد ذلك مداخلة الاستاذ على المري من ادارة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية في دولة الامارات. وتناول الاستاذ على المري أثر مراكز الدراسات ومخازن الفكر ودورها في صنع السياسيات واتخاذ القرارات في المجالين السياسي والثقافي، كما تحدث عن التأثير في الرأي العام وفي صناعة القرارات من خلال وسائل مثل الندوات والمؤتمرات ونشر الكتب والدراسات ووسائل الاعلام مبينا دورها في تجسيد الذاكرة الجماعية للمجتمع وتنميته. ولم يقف النشاط الثقافي السعودي أمس عند حدود هذه الندوة، بل كان الزائرون في معرض الكتاب على موعد ثان في ندوة بعنوان (الرواية السعودية في ميزان النقد الأدبي) لكل من الدكتورة ميساء الخواجة من جامعة الملك سعود والدكتور حسن حجاب الحازمي من جامعة جازان وتحدثت الدكتور ميساء الخواجة عن ما يردده عدد من الدراسين من مقولة فحواها أن العصر الحالي هو عصر الرواية بامتياز وذلك لما تمتلكه من قدرة على التفاعل مع المرجع الخارجي وسمات حوارية في عالم تخيلي، وبينت أن الكتابة بالنسبة للمرأة شكلت وعيا جديدا تمارس في حضورها وتؤكده في ظل هيمنة الخطاب الذكوري، أما الدكتور حسن حجاب الحازمي تناول في ورقته خلال هذه الندوة نشأة الرواية السعودية ومراحل تطورها والمحاولات النقدية المصاحبة لبواكير الرواية السعودية. وطرحت في مناسبة أخرى تؤكد عمق الترابط الثقافي بين المجتمع الخليجي تنظم ندوة تحت عنوان (الجذور التاريخية للعلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة)، وذلك على هامش معرض الشارقة الدولي للكتاب، وعبر المنتجات الثقافية من الإبداع الأدبي شعرا وسردا وفي علوم العقل واللسان والإبداعات البصرية لكل من المملكة العربية السعودية ضيفة الشرف في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام2011م والإمارات العربية المتحدة تكمن سبل التعاون والتآخي والتقارب ليحافظ البلدان الشقيقان على الأصول الثقافية المشتركة بينهما. وفي الختام اختار القائمين على البرنامج الثقافي للمملكة العربية السعودية ضيف الشرف في المعرض أن يكون الشعر خاتم أنشطتهم الثقافية، وحضر من المملكة العربية السعودية كل من الشاعرين الأستاذ الدكتور عبدالله سليم الرشيد المختص بالأدب العربي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والدكتور محمد علي العمري المختص بالأدب العربي في جامعة الملك الخالد. أمسية شعرية تجلت فيها المهارات الشعرية اللفظية والإلقائية لكلا الشاعرين عبدالله سليم الرشيد ومحمد علي العمري، كانا يتراوحان بين ما جادت به كتابتهما، ليستوقفانا بين الفينة والأخرى بأسلوبهما الطريف والجاذب عند حكاية قصيدة، حادثة في حياتهما دفعت بهما إلى كتابة ما انتابهما من شعور ومواقف في تلك اللحظة.