يفتتح معالي المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة فيصل بن عبدالرحمن بن معمر غداً الثلاثاء ، بجامعة بكين أعمال الملتقى الرابع لجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة الذي تنظمه المكتبة ضمن فعاليات حفل تسليم الجائزة بالعاصمة الصينية بكين . ويناقش الملتقى دور الترجمة في إثراء الصلات الثقافية بين الشعوب، (العلاقات العربية – الصينية أنموذجاً) ، وذلك من خلال ورقتي عمل يقدمهما كل من البروفسور تشونغ جيكون، والدكتور حسام الدين مصطفى ، يعقبهما نقاش مفتوح يشارك فيه جميع المشاركين في أعمال الملتقى. ومن المقرر أن يلقي معالي المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، كلمة في افتتاح الملتقى، حول جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للترجمة كإحدى آليات مبادرته – يحفظه الله – للحوار الحضاري، لما فيه خير وسعادة البشرية، وتعزيز فرص التعاون والالتقاء حول القواسم المشتركة التي تحقق التعايش السلمي بين أبناء الدول والشعوب كافة. كما يلقي معالي رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وعضو مجلس أمناء الجائزة الدكتور محمد بن إبراهيم السويل ورقة عمل عن المملكة وعلم التعمية واستخراج المعمى عند المسلمين والعرب. إلى ذلك أعرب سفير جمهورية لبنان لدى المملكة اللواء مروان زين عن سعادته بحصول اثنان من الأكاديميين اللبنانيين على جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في دورتها الرابعة هما أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة الدكتور جورج زناتي ، وأستاذ اللغة الانجليزية بالجامعة اللبنانية الدكتور محمد بدوي . وقال بمناسبة حفل تسليم جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في دورتها الرابعة الذي يقام في العاصمة الصينية بكين : لقد دأب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – على الاهتمام بالعلم والعلماء, وكل ما من شأنه نهضة الأمة العربية والإسلامية وتطورها ومواكبتها لركب الحضارة, وما هذه الجائزة العالمية التي تشرف باقترانها باسمه وتحظى برعايته, سوى جانب من جهوده الكثيرة لتحقيق التفاعل الحضاري في عالم أصبح قرية صغيرة من خلال التطور الكبير في وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات . وأضاف اللواء زين بأن جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة كونت مدخلاً للتواصل والانفتاح على أبناء الثقافات الأخرى وتدعيماً للحوار الحضاري الذي يؤدي إلى التفاهم والتلاقي, مشيراً إلى أن تنوع مجالات الجائزة في العلوم الإنسانية والطبيعية حافز للغوص في أعماق العلوم والثقافات المتنوعة, التي تتفاعل إيجاباً إذا ما اختلطت مع بعضها البعض, ويعود نفعها على كل من شارك وأطلع على الثقافات الأخرى, ومنها الثقافة العربية التي إذا وصلت بشكلها الصحيح إلى العالم عادت بالفائدة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية, ونقلت منها إلى باقي الحضارات تعريفاً بإسهامات بلداننا في تطوير الحضارة الإنسانية من أجل سلام قائم على المعرفة والتفهم للخصوصيات الحضارية والثقافية وتقدير دور كل أمة في جعل الحياة أفضل وأسهل وأرقى. وتميزت جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة بامتلاكها لمجموعة من المقومات، منحتها القدرة على تحقيق أهدافها في تنشيط حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية، وترسيخ صفتها العالمية في صدارة جوائز الترجمة على الصعيد الدولي من خلال نجاحها في استقطاب كبريات المراكز العلمية والأكاديمية من جميع دول العالم. وجسدت الجائزة رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - راعي الجائزة- المنطلق الثري والقوة الدافعة لما تحقق للجائزة من نجاح خلال الدورات الثلاث الماضية، والدورة الرابعة التي سيحتفل بتسليم جوائزها غداً الثلاثاء في بكين ، الذي تجلى في ترحيب دول العالم بهذا المشروع الثقافي والعلمي الكبير الذي يمثل أحد آليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الحضارات، في إعلان واضح وصريح لتقدير المجتمع الدولي للجائزة، وتفاعله مع رؤيته - حفظه الله - لمد جسور التواصل والتعاون بين أعضاء الأسرة الإنسانية، التي تمثل الجائزة إحدى آليات تحقيقها. ومع الاحتفال بتكريم الفائزين بالجائزة في دورتها الرابعة في العاصمة الصينية بكين نتوقف للتأمل في أبعاد رؤية خادم الحرمين الشريفين، التي صنعت نجاح الجائزة، ووضعتها في صدارة المشروعات والجوائز العالمية المعنية بالترجمة والثقافة عمومًا. ولعل أبرز أبعاد هذه الرؤية هو استشعار راعي الجائزة- يحفظه الله- لحاجة العالم إلى تعزيز آليات التواصل المعرفي بين دوله وشعوبه، باعتبار هذا التواصل ضرورة للتفاهم والتعايش السلمي والتعاون، فيما يعود بالنفع على الإنسان أينما كان، ولا سيما بعدما تعالت في الأفق دعاوي الصراع الحضاري. وهناك الكثير من الشواهد والوقائع التي تؤكد حاجة العالم لهذا التواصل، لكن اختيار الآليات المناسبة لتحقيقه تظل هي المعضلة، التي استطاعت جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة تجاوزها، عن طريق استثمار الترجمة في تجاوز حواجز اللغة، التي تعد أبرز معوقات التواصل والحوار الإنساني. وتكشف موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود - حفظه الله- على إنشاء هذه الجائزة عن قراءته الواعية لمسيرة تطور الحضارة الإنسانية وتقدمها، ودور الترجمة في تحقيق هذا التطور في كثير من المراحل التاريخية، وخير مثال على ذلك إسهامات العلماء العرب والمسلمين، وفضلهم في نهضة أوروبا وتجاوزها لمرحلة الظلام، التي عاشت بها في العصور الوسطى في إطار وعي أشمل بأن اختلاف اللغة لا يجب أن يكون معوقًا للتعاون بين أبناء الحضارات، أو حائلاً دون الإفادة من النتاج العلمي والفكري للعلماء والمفكرين فيما يحقق خير الإنسان، ومستقبل أفضل للأجيال القادمة يؤكد ذلك تنوع مجالات الجائزة بين العلوم الإنسانية والتطبيقية. كما تجسد الجائزة بعدًا آخر في رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله- لمد جسور التواصل وتعزيز آليات الحوار الحضاري بين الدول والشعوب وأتباع الأديان السماوية، وهو الإعلاء من شأن النخب العلمية والثقافية والفكرية، من الأكاديميين والمفكرين والمبدعين في تحقيق التواصل المنشود، ليس في إطار سياسات الهيئات الحكومية القطرية، بل على المستوى الفردي والمؤسسات العلمية والثقافية غير الحكومية، ولا يقتصر ذلك على ما تتيحه الجائزة من فرص التنافس عليها للأفراد والمؤسسات الأهلية فقط، بل يمتد إلى القارئ والباحث وطالب العلم، الذي يتاح له من خلال الأعمال المترجمة الإطلاع على ثقافة الآخر وحضارته وفكره ونتاجه العلمي والأدبي، ولا يخفى على أحد حجم الفائدة التي تعود على طلاب الجامعات العربية من إطلاعهم على المراجع العلمية المتخصصة في علوم العصر المترجمة إلى العربية، وما يمكن أن تحققه الأعمال المترجمة عن الإسلام والحضارة الإسلامية من تصحيح الصورة المغلوطة التي تشكلت في أذهان كثير من غير المسلمين، ولا سيما في المجتمعات الغربية نتيجة لممارسات إعلامية غير مسؤولة أو مغرضة في بعض الأحيان، تستفيد من نقص المعلومات أمام القارئ في هذه المجتمعات ليتعرف ذاتيًا على الإسلام والمسلمين. كما أن هناك بعدا آخر في رؤية خادم الحرمين الشريفين، التي تمثل جائزته العالمية للترجمة أحد مفاصلها، وهو أهمية المعرفة في تحقيق التقارب والتفاهم بين الدول والشعوب، والاجتماع حول القواسم المشتركة التي تدعم التعاون فيما بينها، وهو أمر يتفق عليه كل علماء الاجتماع والمختصين في دراسة الاتصال، حيث إن نقص المعرفة بالخصائص الثقافية، والمكونات المميزة لكل حضارة يؤثر سلبًا في فاعلية التواصل وموضوعية الحوار، وقدرته على تحقيق أهدافه. وتفردت الجائزة في التعبير عن بعد آخر بالغ الأهمية في الرؤية التي انطلقت منها، يتمثل في احترام التنوع الثقافي والاختلاف الفكري، وخصوصية الهوية الثقافية والحضارية للدول والمجتمعات، باعتبار هذا التنوع سنة كونية وطبيعة فطرية، ترتبط باختلاف الأديان، والتقاليد، وتاريخ نشأة وتطور المجتمعات، وعامل ثراء وإثراء لجهود التعاون الدولي، وليس دافعًا للفرقة أو النزاع أو تهميش الآخر والاستعلاء عليه. ويؤكد ذلك التفرد في رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- لأهمية التنوع الثقافي انفتاح الجائزة على كل الثقافات واللغات- دون تهميش لغة لحساب لغة الأخرى - واعتبار الفيصل في ذلك هو قيمة العمل المترجم، وما يضيفه للعلم والمعرفة، وليس أدل على ذلك من تنوع الأعمال التي تنافست على الجائزة في دوراتها الأربعة الماضية، وكذلك الفائزة بها من كافة اللغات دون استثناء. وتتناغم أبعاد رؤية خادم الحرمين الشريفين- للتواصل المعرفي والثقافي والحوار الحضاري في هذا المشروع الكبير في التوازن البديع في مجالات منح جائزته العالمية للترجمة، التي تجمع بين العلوم الإنسانية والتطبيقية، وتعنى بالفكر والأدب والفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، بنفس درجة العناية بعلوم الطب والكيمياء والرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم الطبيعية والتجريبية التجريدية والتطبيقية، وذلك باعتبار أن العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية أشبه بجناحين لطائر لا يستطيع التحليق بأحدهما فقط، وأن أهمية العلوم الطبيعية وارتباطها بالتنمية والتطور لا تتعارض مع أهمية الارتقاء بوعي الإنسان وذوقه وسلوكه باعتباره غاية كل تنمية وتطور، والمحرك الحقيقي لها، وأن ضبط العلم بالأخلاق الرفيعة هو الضمان الحقيقي لعدم انحراف التطبيقات العلمية باتجاه يمثل تهديدًا لأمن وسلامة الإنسان، وبنفس درجة التوازن في اهتمام الجائزة بين العلوم الإنسانية والطبيعية، تتسم الرؤية التي تنطلق منها بالحرص على الاستفادة من النتاج الفكري والعلمي للآخر، والسعي إلى إفادته والتأكيد على أن الحضارة العربية الإسلامية لديها الكثير الذي تقدمه، وأن الثقافة العربية الإسلامية قادرة على استيعاب كل المستجدات، بدليل منح الجائزة للأعمال المميزة المترجمة من اللغات المختلفة إلى العربية، وكذلك الأعمال المترجمة من اللغة العربية إلى هذه اللغات. وتكتمل الرؤية التي قادت الجائزة لتحقيق هذا النجاح الكبير في سنوات قليلة بارتباطها بمبادرات عملية، وجهود ملموسة لخادم الحرمين الشريفين- الملك عبدالله بن عبدالعزيز- للتقارب بين الدول والشعوب، وفي مقدمتها مبادرته الكريمة للحوار بين الحضارات وأتباع الأديان، ودعوته للمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ومثل هذا الارتباط بين القول والعمل بين دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار الحضاري، ورعايته للجائزة، وعطاءاته في مجال الإغاثة الإنسانية، وغيرها من الجهود التي يصعب حصرها تفسر المكانة الرفيعة الجائزة العالمية رغم حداثتها النسبية. واجتماع هذه الأبعاد- في الرؤية التي انطلقت منها الجائزة- يشكل رسالة واضحة من بلاد الحرمين وقيادتها الرشيدة، بموقف الإسلام في التعامل مع الأخر، وتشجيعه للحوار الإيجابي والتعاون في كل أبواب الخير، بعيدًا عن دعاوي الهيمنة، أو السيطرة، أو محاولات طمس الهوية المميزة للحضارات والثقافات- تحت شعارات العولمة- أو سيادة نموذج حضاري على حساب الحضارات والثقافات الأخرى.