قدم شهر رمضان الكريم وفرح الكل بقدومه واستعدوا له واعدوا العدة لاستقباله بالعبادة والطاعة وتقديم أفضل ما عندهم من الطاعات حتى يصبوا بأكثر قدر من الحسنات تعينهم على دخول جنات ربهم . ولكن قبل أن استرسل في التحدث عن الطاعات وفضائل الشهر الكريم , اود ان اقف عند كيف تكون الطاعة والعبادة في هذا الشهر الفضيل والذي أصبحنا الآن نراه يجب ان يكون شهر الراحة والأكل واختزلنا العبادة في قراءة القرآن والاعكتاف بالمساجد وظننا كل الظن أننا أدينا ما علينا من طاعات وان الله راضٍ عنا كل الرضا واستوقفتني مواقف حياتية تتوقف فيها الأعمال بسبب شهر رمضان فإذا أردت ان تنهي مصلحة ما في مكان ، تحججوا بأن كل شيء سوف يسير على مايرام بعد الشهر الفضيل , اذاً أصبح شهر رمضان شهر تعطيل للطاعات والعبادات وليس اجتهاد فيها فمن ظن أن العبادة تتوقف على شقشقة اللسان ليل نهار بالذكر ويكون ذلك على حساب أن يعي عمله وإنهاء مصالح الآخرين فلا أظن أنها تكون العبادة الحقة لله ومن ظن أن الاعتكاف وقراءة القرآن ليل نهار أفضل عبادة من أن يسعى ويخرج لاكتساب الرزق وسداد حاجة اهل بيته فقد فهم الشهر الفضيل فهماً خاطئاً .لو نظرنا في حياتنا اليومية لوجدنا أنواع عبادات لا تعد ولا تحصي قد نؤديها ونحن غافلون عنها لأننا نستسهل العبادة النظرية عن العبادة العملية . فشتان بين هذا وذاك ، فكما ذكرت أن العبادة النظرية دائما ما تكون بالقراءة والاستماع للآيات الربانية وتفسيرها وحفظها عن ظهر قلب فيحضرني موقف للعالم الإسلامي ابن سينا عندما جاء احد تلاميذه فرحاً مهللاً وهو يقول له “ لقد حفظت نسخة الحديث للبخاري عن ظهر قلب يا أستاذي” فما كان رد ابن سينا إلا أن قال له “ والله لقد زادت نسخ البخاري نسخة “ فليس بالحفظ وشقشقة اللسان بالذكر وحده نعبد الله فأوجه العبادة لله اعم واشمل من تكون كتلك العبادة النظرية .واذا تطرقنا بعض الشئ الي العبادة العملية والتي لا نحتاج ان نحفظ كل نسخ التفسير او ان نحفظ القرآن كاملاً او الحديث عن ظهر قلب بل يكفينا ان نعي ببعض المفاهيم التي من خلالها نستطيع ان نعبد الله حق عبادته ولنكمل نحن العبادة العملية التي وهبها الله لنا بل وشجعنا عليها وفي رواية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما صافح رجلا فوجد يده خشنة من العمل قال “هذه يد يحبها الله ورسوله” توضح لنا تلك القصة ان العمل في حد ذاته عبادته لله . فلا عجب اذا ذهبنا لبلاد الغرب وانبهرنا بإتقانهم للعمل وتفانيهم فيه وأطلقنا عليهم لقب “ إسلام بلا مسلمين” فنحن من هذه التسمية نعي تماماً ان العبادة الحقة لله عملية وليست نظرية وننبهر بمن يطبقونه حتى ولو كانوا من غير المسلمين ومع ذلك لا نقترب من تلك العبادة الا في الحدود واذا اقتربنا لانتفاني فيها في كثير من الأحيان.وليست العبادة العملية مقصورة فقط على العمل بل يوجد أشياء أخرى تقع تحت مسميات العبادة العملية وربما نكون غافلين عنها مثال على ذلك الصبر على الابتلاء في حد ذاته عبادة عملية فنرى من الناس من تقع به كإرثه ولكن يظل مثابراً ذاكراً لله ولا ييأس من رحمته وكذلك نجد من تصبر على تربية أولادها ورعاية زوجها أوليس ذلك بعباده؟! ومن يخرج في سبيل العلم الى بلاد أجنبية ومع ذلك لايقع في المعاصي ويهتم بدراسته، وممن يتأخر بها سن الزواج وقد ترى مثيلاتها ممن أصبحن بأسرة ومنزل وزوج وهي تظل صابرة تعف نفسها من اي معصية تغضب الله أوليس تلك بعباده؟! وغيرها من العبادات العملية الكثيرة والتي لااستطيع ان اذكرها جميعا هنا وهي من العبادات العملية التي يجزي الله بها خيراً من العبادة النظرية ومما يحزنني ان اختزلنا رمضان في تلك العبادة النظرية فانا ارى من يتسابق على ختم القرآن اكثر من مرة في رمضان فهل العبرة بالعدد يااخواني ؟!. وارى ممن يذهبون الي صلاة التراويح حتى اذا انتهت الصلاة انفض الكل الي منزله دون حتى ان يتعرف على ممن يصلي بجواره فهل يعقل ان تكون تلك العبادة والله انها لعباده نظريه الي ابعد الحدود وأقصاها يااخواني.فليتنا نعي الفرق بين العبادة النظرية والعبادة العملية وأتمني ان يكون رمضان عبادة عملية ويكون شهر المثابرة والعزيمة وإنهاء الأعمال كلها فيه وقضاء حوائج الناس فيه لا تأخيرها حتى ينتهي الشهر الكريم ويفيق الناس من سكره الصوم .... نعم الصوم في هذا الحالة أصبح يمنعنا عن تأدية حقوق العباد فلا نستطيع ان ننهي اي شئ لاننا في إنهاك منه ... تعالوا نفتش في دفاتر العبادة العملية لدينا ونقرر ونحدد مانستطيع فعله في هذا الشهر الكريم ليكون اعظم واجل عند الله . فكم من رحم قطعناه وكم من عمل أهملناه، ليكون رمضان هو الحافز على البدء في تلك العبادة العملية مع قليل من العبادة النظرية حتى نطبق مانعمل على أكمل وجه ونفوز بمرضاة الله عز وجل في هذا الشهر الكريم.