نجحت الجمعية الخيرية لرعاية المصابين بالأمراض المزمنة بالعاصمة المقدسة “شفاء” في توعية أكثر من 400 مريض بالسكري في الصيام الآمن وذلك خلال الندوتين التوعويتين اللتين أقامتهما الجمعية بفندق جراند كورال بمكة المكرمة والانتركونتننتال بجدة تحت عنوان “نحو صيام آمن لمرضى السكري”.وشارك في الندوتين كلٌ من الدكتور زاهد بن ذاكر الصديقي المحامي والمستشار الشرعي والقانوني، والدكتور محمد حسنين استشاري أمراض الباطنة والسكري بجامعة كارديف ببريطانيا، والدكتور خالد عبدالله طيب مدير مركز السكري بمستشفى النور التخصصي بمكة المكرمة ورئيس مجلس إدارة جمعية شفاء. بداية تناول الدكتور زاهد بن ذاكر الصديقي القواعد والضوابط الشرعية لمرضى السكري في شهر رمضان، مؤكداً خلال حديثه دور الأطباء في توجيه المرضى لأنهم بتوجيهاتهم يسري عليهم فتاوى أهل العلم لأنهم أمناء في هذا الأمر وهذا من تيسير الله جل جلاله في الشريعة الإسلامية،وأستعرض د. الصديقي أحوال المرضى في الصيام الحالة الأولى ألا يتأثر بالصوم, مثل الزكام اليسير, أو الصداع اليسير, ووجع الضرس, وما أشبه ذلك, فهذا لا يحل له أن يفطر، والحالة الثانية إذا كان يشق عليه الصوم ويضره كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكر أو يخاف الهلاك إن صام أو قرر الطبيب بأن الصيام يسبب له مضاعفات مرضية, وما أشبه ذلك ويضره الصوم, فالفطر عليه واجب وصيامه محرم, وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشق عليهم الصوم وربما يضرهم ولكنهم يأبون أن يفطروا فنقول: إن هؤلاء قد اخطئوا حيث لم يقبلوا كرم الله عز وجل وولم يقبلوا رخصته واضروا بأنفسهم، والمرجع في تحديد الضرر من عدمه للمريض ومشقة الصيام الطبيب حيث هو الذي يقرر للمريض ومن ثم يسري عليه أحكام العزائم أو الرخص. الضعيف لا يقاوم وأضاف د. الصديقي بإن الشريعة الإسلامية احتوت قواعد مرعية ونصوص شرعية ومن هذه القواعد الشرعية التي لها فروع تطبيقية على صيام المرضى عموماً ولمريض السكر على وجه الخصوص منها قاعدة “اليقين لا يزول بالشك وما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين” والتي تفيد أن الضعيف لا يقاوم القوي, بل دائماً إذا اجتمعا في مسألة فإن الحكم للقوي سواءً كان يقيناً, أو ظناً, لأن الظن معمول به في الشرع, ومقدم على ما هو أضعف منه، وتطبيقا لهذه القاعدة فإن المريض إذا شك في ارتكابه للمفطر بتناول شيء من العقاقير وغيرها فيبقى في حكم الصائم لأن الصوم هو الأصل القوي والفطر هو الطارئ المتوقع بضعف حتى يرد ما يثبت فطره، كما استعرض القاعدة الفقهية “المشقة تجلب التيسير” والتي تدل على انه إذا وقع المكلف في حرج ومشقة خارجة عن المعتاد فان الشريعة تخفف الحكم له بما يرفع عنه تلك المشقة حيث أن المريض إذا كان الصوم يضره بمضاعفة ألمه أو استمرار مرضه أو تأخر برئه او لحوق التلف به فإنه تلك المشقة تستوجب التيسير بالفطر ولله الحمد، وقاعدة “لا ضرر ولا ضرار والضرر يدفع بقدر الإمكان والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف” إذ المطلوب من الإنسان أخذ حقه بالطرق الشرعية دون إضرار بالغير على وجه يفتح باب الشر والصراع الذي لا تحمد عواقبه وتطبيق هذه القاعدة أن الفطر وقضاء الصوم فيه ضرر على المسلم وتفويت لفضيلة الصوم في شهر رمضان ولكن هذا الضرر مما يجوز ارتكابه وقد يجب منعا لضرر أكبر وهو إلحاق الضرر بالنفس إذا كان الصوم وعدم الفطر يضر بها، واستعرض قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” ومثاله إفطار الصائم في نهار رمضان حيث أن الإفطار محظور في النهار ولضرورة الحفاظ على صحة الصائم جاز له الإفطار، كما استعرض قاعدة “إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل” والتي تدل على إن الحكم الشرعي إذا تعذر وكان له بدل فانه يصار إلى ذلك البدل وتقع هذه الحالة كثيراً للمرضى وكذا لا يخلو منها الأطباء، مثاله إذا تعذر صيام شهر رمضان بسبب المرض الذي لا يرجى برؤه انتقل إلى بدله وهو الإطعام، وإذا تعذر الصيام في الكفارة بسبب المرض بعد تعذر العتق فانه ينتقل إلى بدل ذلك وهو الطعام.صيام المصابين بداء السكريثم استعرض الأستاذ الدكتور محمد حسنين استشاري أمراض الباطنة والسكري بجامعة كارديف ببريطانيا “صيام المصابين بداء السكري” حيث أوضح في البداية أن مرض السكري هو عبارة عن هو اختلال في نسبة السكر في الدم اختلالاً مرضيا وعلى وجه الخصوص ارتفاع النسبة فوق المعدل الطبيعي، وينتج مرض السكري عن فقدان هرمون الأنسولين الذي تفرزه خلايا خاصة (خلايا B) في البنكرياس أو عن قلة كمية أو قلة استجابة خلايا الجسم له في بعض الحالات. تصنيف مرضى السكري وعدد د. حسنين أنواع داء السكري النوع الأول المعتمد على الأنسولين ولجرعات متعددة في اليوم، والنوع الثاني غير المعتمد على الأنسولين، وقام خلال حديثه بتصنيف مرضى السكري الفئة الأولى وهم المرضى ذوو الاحتمالات الكبيرة جداً للمضاعفات الخطيرة بصورة مؤكدة طبياً وتتميز أوضاعهم بحدوث هبوط السكر الشديد خلال الأشهر الثلاثة التي تسبق شهر رمضان، أو المرضى الذين يتكرر لديهم هبوط وارتفاع السكر بالدم، أو المرضى المصابون بحالة فقدان الإحساس بهبوط السكري، وهي حالة تصيب بعض مرضى السكري، وخصوصاً من النوع الأول الذين تتكرر لديهم حالات هبوط السكر الشديد ولفترات طويلة، أو المرضى المعروفون بصعوبة السيطرة على السكري لفترات طويلة، أو حدوث مضاعفة الحماض السكري الكيتوني أو مضاعفة الغيبوبة السكرية خلال الشهور الثلاثة التي تسبق شهر رمضان، وذلك الأمراض الحادة الأخرى المرافقة للسكري، ومرضى السكري الذين يمارسون (مضطرين) أعمالا بدنية شاقة، وكذلك مرضى السكري الذين يجري لهم غسيل كلى، وكذلك المرأة المصابة بالسكري أثناء الحمل، وأَضاف بأن الفئة الثانية من أنواع داء السكري هم المرضى ذوو الاحتمالات الكبيرة نسبياً للمضاعفات نتيجة الصيام والتي يغلب على ظن الأطباء وقوعها وتتمثل أوضاعهم المرضية بحالة أو أكثر كالذي يعانون من ارتفاع السكر بالدم كأن يكون المعدل ( 180 - 300 مغم/ دسل، ونسبة الهيموغلوبين المتراكم (المتسكر) التي تتجاوز 10%، أو المصابون بقصور كلوي، أو المصابون باعتلال الشرايين الكبيرة ( كأمراض القلب والشرايين )، أو الذين يسكنون بمفردهم ويعالجون بواسطة حقن الأنسولين أو العقارات الخافضة للسكر عن طريق تحفيز الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، أو الذين يعانون من أمراض أخرى تضيف أخطاراً إضافية عليهم، أو كبار السن المصابون بأمراض أخرى، أو المرضى الذين يتلقون علاجات تؤثر على العقل، أما الفئة الثالثة فهم المرضى ذوو الاحتمالات المتوسطة للتعرض للمضاعفات نتيجة الصيام ويشمل ذلك مرضى السكري ذوي الحالات المستقرة والمسيطر عليها بالعلاجات المناسبة الخافضة للسكر التي تحفز خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين، والفئة الرابعة هم المرضى ذوو الاحتمالات المنخفضة للتعرض للمضاعفات نتيجة الصيام ويشمل ذلك مرضى السكري ذوي الحالات المستقرة والمسيطر عليها بمجرد الحمية أو بتناول العلاجات الخافضة للسكر التي لا تحفز خلايا البنكرياس للأنسولين بل تزيد فاعلية الأنسولين الموجود لديهم ضرر بالغ .واستعرض د. محمد حسنين أحكام صيام هذه الفئات حيث أن الفئتين الأولى والثانية حالاتهم مبنية على التأكد من حصول الضرر البالغ أو غلبة الظن بحصوله بحسب ما يقدره الطبيب الثقة المختص فيتعين شرعاً على المريض الذي تنطبق علية إحدى الحالات الواردة فيهما أن يفطر ولا يجوز له الصيام درءاً للضرر عن نفسه، ويتعين على الطبيب المعالج أن يبين لهم خطورة الصيام عليهم، والاحتمالات الكبيرة لأصابتهم بمضاعفات قد تكون – في غالب الظن – خطيرة على صحتهم أو حياتهم، كما أنه على الطبيب أن يستنفد الإجراءات الطبية المناسبة التي تمكن المريض من الصوم دون تعرضه للضرر، وبشأن الفئتين الثالثة والرابعة فإنه لا يجوز لمرضى هاتين الفئتين الإفطار لأن المعطيات الطبية لا تشير إلي احتمال مضاعفات ضارة بصحتهم وحياتهم بل إن الكثير منهم قد يستفيدون من الصيام، وعلى الطبيب الالتزام بهذا الحكم وأن يقدر العلاج المناسب لكل حالة على حده.إرشادات الصيام لمرضى السكريثم تحدث الدكتور خالد عبدالله طيب مدير مركز السكري بمستشفى النور التخصصي بمكة المكرمة ورئيس مجلس إدارة جمعية شفاء بعنوان “إرشادات الصيام لمرضى السكري” حيث وضح بأن مرضى السكري يحتاجون لإجراء تغيير في كمية ونوع العلاج الذي يستخدمونه خلال شهر الصوم لذا يجب على كل المرضى استشارة الفريق الطبي قبل شهر الصوم للتأكد من عدم وجود مانع صحي يعيق صومهم ولوضع خطة العلاج المناسبة لهم.وأكد د. طيب بأنه يجب على جميع مرضى السكري الصائمين التأكد من انتظام نسبة سكر الدم أثناء ساعات الصيام بإجراء تحليل سكر الدم وبشكل خاص في الساعة الأولى للصيام وقبل صلاة الظهر وقبل صلاة العصر وقبل الإفطار بالمغرب. ويجب استعراض تلك النتائج مع الفريق الطبي المعالج لإجراء التعديل المناسب على جرعات العلاج إذا لزم الأمر، كما يجب على جميع مرضى السكري الالتزام بالنظام الغذائي المحدد لهم ومن ذلك تناول ثلاث وجبات (الإفطار، وجبة خفيفة في منتصف الليل، وجبة السحور) يومياً والامتناع عن الأطعمة التي تحتوي قدرا كبيرا من السكريات البسيطة والدهون المشبعة.وأضاف د. طيب بأنه يجب تناول أكبر قدر من السوائل التي لا تحتوي على سكر ويفضل ماء زمزم لمن تيسر له ذلك كما يجب عدم البقاء طويلاً أو بذل مجهود بدني كبير في الطقس الحار تجنباً لفقدان السوائل عن طريق العرق أثناء ساعات الصيام وخاصة بعد صلاة العصر. كما ينبغي على جميع مرضى السكري الصائمين إتباع الهدي النبوي بتعجيل الإفطار وتأخير وجبة السحور إلى ما قبل أذان الفجر، كما يجب أن يكون النشاط البدني معتدلاً أثناء النهار مع الخلود للراحة والسكينة في فترة ما بعد العصر. الإفطار فوراً وأوضح د. خالد طيب بأنه لا يجب التردد في إنهاء الصوم في إي وقت عند حدوث انخفاض حاد في هبوط مستوى السكر بالدم دون 60 ملجم / دسل حتى في حال عدم الشعور بأعراض الانخفاض فهذه الحالة تستوجب عند حدوثها إنهاء المريض لصومه فورا ودون تردد وتناول شراب يحتوي على سكر وتكرار ذلك حتى تعود نسبة سكر الدم إلى المستوى الطبيعي. ويجب معرفة أسباب حدوثها ومناقشة ذلك مع الفريق الطبي المعالج لمنع تكرارها، مشيراً إلى أنه يمكن للطبيب الماهر أن يضع خطة علاجية للمريض تحد إلى درجة كبيرة من فرصة حدوثها. كما يجب مراقبة سكر الدم أثناء ساعات الصيام للتعرف على تلك الحالة قبل حدوثها وعلاجها مبكراً مع ملاحظة أن بعض مرضى السكري وخاصة من النوع الأول لا يشعرون بأعراض الانخفاض ويتوجب عليهم إذا أصروا على الصيام إجراء تحليل سكر الدم عدة مرات يوميا خاصة في النصف الثاني من النهار. وبيّن بأن الارتفاع الحاد لنسبة سكر الدم إلى 250– 300 ملجم / دسل يحدث لكثير من المصابين بالسكري حتى في حال عدم الصيام والأرجح أنه لا يستدعي إنهاء المصاب بالسكري لصيامه إلا إذا كان مصحوباً بأعراض مرضية مثل الشعور بالإرهاق وكثرة التبول أو ظهور الأستون في البول أو ارتفاع نسبته في الدم أو كان حدوث الارتفاع بسبب إصابة المريض بمرض عرضي حاد آخر، موضحاً بأنه في غير تلك الحالات يمكن للمريض استشارة الفريق العلاجي عن إمكانية استكمال صومه أو تناول كمية قليلة من الأنسولين سريع المفعول لتعديل نسبة السكر بالدم ومراقبة نسبة السكر للتأكد من تحسنها. أما ارتفاع سكر الدم فوق 300 ملجم / دسل فإنه يستوجب الحذر وتناول جرعة من الأنسولين فائق السرعة في المفعول وإعادة التحليل خلال نصف ساعة فإذا لم تنخفض النسبة أو ارتفعت فانه يجب إنهاء الصوم وتناول سوائل لا تحتوي على سكر والتوجه للمستشفى خاصة إذا صاحب ذلك أعراض مرضية أو ظهور الكيتون في البول. واستعرض د. خالد طيب التعديلات اللازمة على جرعة الدواء لمرضى السكري لاسيما لدى مرضى النوع الثاني من السكري وهم غالباً من كبار السن (الإصابة بالسكري بعد سن 30 عاما) ونسبة ضئيلة من الشباب الذين يصابون بالنوع الثاني من السكري نتيجة السمنة المفرطة.توصيات “نحو صيام آمن لمرضى السكري”طالبت الندوتان اللتان أقيمتا بمكة المكرمةوجدة تحت عنوان “نحو صيام آمن لمرضى السكري” الأطباء بالإحاطة بقدر مقبول من معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع.كما طالبت الفقهاء والدعاة بإرشاد المرضى الذين يتوجهون إليهم طالبين الرأي الشرعي، بضرورة استشارة أطبائهم المعالجين الذين يتفهمون الصيام بأبعاده الطبية والدينية. أخطار حقيقية وأكدت الندوة على أهمية اتباع جميع الوسائل الممكنة للإرشاد والتثقيف بما فيها خطب المساجد ووسائل الإعلام المختلفة لتوعية المرضى نظراُ للأخطار الحقيقية الكبيرة الناتجة عن مضاعفات السكري على صحة المرضى وحياتهم، فضلاً عن العمل على زيادة مستوى الوعي بالمرض وأصول التعامل معه تخفف كثيراً من أثاره، ويسهل عملية تقبل الحكم الشرعي والنصائح الطبية لمعالجته.ودعت الجمعية في ختام هذه الفعاليات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي الدولي لإصدار كتيب إرشادي حول هذا الموضوع باللغة العربية وغيرها والعمل على نشرة بين الأطباء والفقهاء، وعرض مادته العلمية على صفحات الانترنت ليطلع علية المرضى للاستفادة منه، كما طالبت وزارات الصحة في الدول الإسلامية بتفعيل البرامج الوطنية في مجال الوقاية والمعالجة والتوعية بمرض السكري وأحكامه الشرعية.يُشار إلى أن الجمعية الخيرية لرعاية المصابين بالأمراض المزمنة بالعاصمة المقدسة “شفاء” تطمح لأن تكون نموذجاً رائداً للرعاية الطبية والاجتماعية للمصابين بالأمراض المزمنة بالعاصمة المقدسة فضلاً عن تحقيق الريادة في التدريب والتثقيف الصحي والبحث العلمي، وتهدف الجمعية لتقديم الرعاية للمصابين بالأمراض المزمنة ومن يحتاجها وتوعيتهم بجودة عالية واستخدام أمثل للموارد.