توقعتُ أن أصحو على هذا الواقع المؤلمِ والمتردي الذي وصل إليه حالنا وحال أنديتنا ولاعِبيها وُمشجِّعيها كبارًا وصغارًا؛ واقعٌ مؤلمٌ مرير بلغ فيه التعُصب الرياضي حدًّا لا يُطاق! خرج من أرضِ الملاعبِ وانتقل للبيوتِ وقاطِنيها، وجاوزها للمدارسِ ليُصبح معركة ثأرٍ بين الطلابِ وبعضهم، وبين الطلابِ والمعلمين! شيءٌ مؤسفٌ، ما يحصل من خلافاتٍ ومعاركَ داميةٍ داخل بعض البيوت؛ بسبب فوز الفريق العلّاني على فريق الأب والإخوة الآخرين، بل إننا قرأنا عبر الصحف قصصَ طلاقاتٍ حصلت وتهديدٍ بالطلاق من رجالٍ سُفهاء لزوجاتهم إن فاز النصر على الهلال أو الأهلي على الاتحاد! ولعلكم تذكُرون، وقرأتم في إحدى الصحف كيف فقأ أحد الإخوة عين أخيه؛ لأجل أن فريقه هزم الفريق الذي يشجعه؛ ما سبب صدمة لأهله الذين لم يتوقعوا أن يصل الأمرُ لهذا الفعل والتصرف العدواني!! رغم أن الأهل يتحملون جزءًا كبيرًا من مسؤولية إيغار صدور الإخوة على بعضهم؛ من خلال بث التعصب الرياضي البغيض في نفوسهم منذ الصغر، ثم بعد ذلك يستغربون أن يتعارك ويتحارب الإخوة، ويتباغضون من أجل نادٍ رياضي لم يفكر فيهم، ومن أجل لاعبين يعيشون حياتهم الخاصة مع أُسَرِهم (وماطقوا لكم خبر). إحدى الزميلات تقول: إنها في أيام ومواسم المباريات تكره البقاء في البيت، وتكره من فيه بسبب الأزماتِ النفسية التي يسببها لها زوجها أثناء مباريات الهلال والنصر، فإن خسر فريقه المفضل فإن البيت والأبناء وهي معهم يكونون ضحايا التنفيس والصراخ والويل والثبور لهم بعد الخسارة، وكأنهم من كان سببًا في خسارة الفريق!! وعندما تهرب بأبنائِها لبيتِ والدها تتكرر المأساة بين إخوتها؛ مُشجعي الملكي ومشجعي الإتي، فبعد انتهاء المباراة ترى أنواعًا من المعارك والعواصف بين الإخوة، والسب واللعن والعِراك لا يتوقف من أجل فريق! انتهت المباراةُ على الملعب، وتصافح لاعبو الفريقين الفائز والخاسر، وتصالحوا وُقُضي الأمر، لكن المعارك في البيت والاستراحات والشوارع والمدارس لم تنتهِ بعدُ! أما في (بعضِ) المدارس التي يُعول عليها الأهل مستقبل وصلاحَ وفلاحَ أبنائِهم فشرُّ البليةِ ما يُضحك، وقطعًا شاهد الكثير معلم التربية الرياضية الذي وقف بساحة المدرسةِ مطالبًا طلابه بأن يهتفوا لفريقه المفضل (متصدر لا تكلمني)، غيرَ مراعٍ لنفسيات وعقليات الطلاب، زارعًا فيهم منذُ الصغر بذور التعصب، وهو المعلم الذي كان من المفترض أن يكون القدوة للطلاب في بث روح التسامح والتحلي بالروح الرياضية، وقبلها الأخلاق والمُثل! هذا عدا ذاكَ، المعلم الذي يتباهى بمُصادرة فسحة وإفطار طالب مسكين لا ذنب لهُ إلا أنهُ ارتدى زيَّ الفريق المنافس لفريقه غير مُبالٍ بصحة الطالب، وكيف أن حِرمانه من وجبةِ إفطارهِ قد يحرمهُ من التركيز طوال اليوم، تاركًا الجوع ينهشه بلا إنسانية، ونسي أنه كما تدين تُدان؟! ولن ننسى شكوى والد طالب من ضرب معلم لولده على وجهه بالعصا؛ مما تسبب له في جرحٌ شوّه وجهه، ولسببٍ تافهٍ هو ارتداء الطالب لزي الفريق المنافس وعلى سمع وناظر زملائه الطلاب! والمضحك المبكي أيضًا مشهد ذلك المعلم الذي توسمنا فيه الخير والقدوة الصالحة للطلاب وكيف استقبل زيارة لاعب أحد الأندية لمدرسته بالكلام المليء بالتعصب والتشفي، قائلًا أمام الضيف والطلاب: (سلم لي على فلان يقصد لاعب الفريق المنافس للاعب الزائر)، وهذا من سوء الاستقبال لضيفٍ جاءهم زائرًا، وأيضًا من سوء السلوك أمام جمع كبير من طلاب المدرسة! بالله عليكم ماذا تتوقعون من طلاب يرون بعض مُعلمِيهم القدوة يتصرفون تصرفاتٍ رعناءَ صبيانيةً مليئةً بالحقد والتعصب الرياضي الأعمى والأعور؟! ماذا تتوقعون أن يكون تصرفهم خارج المدرسة وبالمستقبل مع الزملاء ومع الإخوة بالمنزل ومع أي إنسان يشجع فريقًا منافسًا؟! ماذا تتوقعون من أبناءٍ صغار بث فيهم آباؤهم العدوانية وروح التعصب منذ نعومة أظفارهم تجاه الآخرين؟! كيف سينشأ الأبناء في ظل هذه الأجواء المشحونةِ بالعنفِ وبالتعصب الرياضي الممجوج؟! علّقنا الأمل على المدرسين فكان بعضهم للأسف دون الأملِ المعقودِ عليه، وأنا أتتكلم هاهنا عن البعض وليس الكل! هل هذا هو دور بعض المدارس وقلة من المعلمين من شلة (متصدر لا تكلمني) وغيرهم؟! نحن نريد جيلًا متميزًا من الطلاب المبتكرين والمبدعين لا نريد مشجعي أندية ولا متعصبين، نريدهم أن يتعلموا أمور دينهم وديناهم ومحبة بعضهم ومحبة الدين والوطن، نريد تعليمًا حقيقيًّا لا حلبة عراك ومنجم أحقاد! لابد أن يُعلم الأهل أبناءهم داخل المنزل تقبل الفوز والخسارة في أي مجال، وأن الروح الرياضية أهم مكتسب، وأن كل أندية الوطن تمثلنا جميعًا… صدقوني لا يهم اللاعبين ولا الأندية عراكُكم وحرق أعصابِكم وإصابتكم بالضغط والسكر من أجلهم أو من أجل فريق، هم يعيشون حياتهم وأجواءهم وأنتم بنار التعصب تحترِقون وتحرقون غيركم! ويا قلب لا تحزن!