بدأت ملامح الرئيس القادم لتركيا تتضح أكثر فأكثر، وبشكل خاص بعد إعادة انتخابات إسطنبول، حيث بات جلياً أن أردوغان الذي لم يستطع الفوز بانتخابات بلدية لن ينجح في استحداث تعديل دستوري يسمح له بالبقاء لفترة قادمة، أو حتى أن يضع شخصاً يخدم أجندته. مشروع أردوغان كان بتهيئة أشخاص يتولون زمام الأمور بعد نهاية ولايته، لكنه مُني بالفشل قبل أن يبدأ حتى، فملامح الرئيس القادم تقريباً بدأت تنحصر بين “أكرم إمام أوغلو، وأحمد داؤود أوغلو”، بعد أن حطمت سياسات أردوغان رجاله الذين أعدهم للمستقبل. وكانت الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها سياسات حزب العدالة والتنمية قد قضت على آخر فرصة في أن يكون بيرات البيرق رجل تركيا القادم، أما بن علي يلدريم فقضى على نفسه بنفسه، حينما رضي أن يكون رئيس وزراء دون صلاحيات، قبل أن يتخلى عن منصبه لصالح أردوغان. في المقابل يدور جدل واسع داخل تركيا وخارجها حول رجل المرحلة القادمة، هل سيكون الرجل ذو الشعبية الواسعة، الذي استطاع أن ينتزع إسطنبول بالقوة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد أن بقيت تحت سيطرتهم قرابة 25 عاماً، أم سيحسم الموقف السياسي المحنك الذي تولى حقيبة الخارجية والوزراء ويعرف دهاليز السياسة التركية وخفاياها. قد يكون موقف أحمد داوود أوغلو متخاذلاً عندما سمح لأردوغان أن يهمشه وتخلى عن منصبه كرئيس للوزراء بسهولة، لكنه كان شجاعاً بعد ذلك في عدة مواقف أبرزها أنه أول رجال العدالة والتنمية الذين تصدوا للإنقلاب في 2016م، في الوقت الذي كان يحلق فيه أردوغان جواً حتى تهدأ الأمور إلى أن تمالك رباطة جأشة وخرج في مكالمة السكايب الشهيرة، على الرغم من كل الروايات التي تعتبر أن الانقلاب كان فبركةً محضة من أردوغان. نقطة أخرى تضاف لداؤود أوغلو أنه أول مسؤولي العدالة والتنمية البارزين الذين بدأوا بالتصدي لأردوغان بشكل علني، وهذا ما أثبته السجال الأخير بين الإثنين، وبكائيات أردوغان أنه تلقى طعنة في الظهر. أما بالنسبة لأكرم أوغلو الرجل القوي الذي استطاع أن يوحد المعارضة ويسحب الأضواء حتى من رئيس الجمهورية، فيحسب له أنه جمع الفرقاء، بل إنه استطاع أن يتسبب في إيجاد شرخ داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، حيث تعالت الأصوات المنددة بسياسات الرئيس وارتفعت حدة الخطاب تجاهه حتى من قبل أبرز رجاله السابقين مثل عبد الله غول وآخرون. انقسم المتابعون للمشهد التركي بين ترجيح طرفي المعادلة القادمة لقيادة تركيا، البعض يؤمن بمقولة أردوغان التي تقول بأن “من يأخذ إسطنبول يحكم تركيا”، وآخرون يرون أنّ الكلمة الأخيرة ستكون للأكثر خبرة، وأن الشارع سيختار من يعرفه أكثر.