التوسع في برنامج الابتعاث خلال السنوات الماضية جعل حلم الابتعاث بالنسبة للكثيرين حقيقة، ومن ضمن الدرجات العلمية المتاحة للابتعاث درجة الدكتوراه التي التحق بها عدد كبير من الشباب، سواء من أولئك الذين ابتُعثوا لمرحلة الدكتوراه ابتداءً أو الذين حصلوا على ترقية لبعثاتهم بعد حصولهم على الماجستير، ونتج عن هذا الإقبال الكبير على الدراسات العليا شيوع الفكرة في المجتمع، وأصبح الكثيرون يرغبون في اللحاق بالقطار قبل أن يفوتهم. باعتقادي أن ارتفاع مستوى الطموح لدى شبابنا هو أمر إيجابي، لكن هل فعلًا فكرة دراسة الدكتوراه فكرة صحيحة؟ بحكم خبرتي الطويلة في الابتعاث، وتدرجي فيه من البكالوريوس إلى الدكتوراه، تصلني العديد من رسائل الراغبين في الدراسة، وجل الرسائل تنصب حول موضوع واحد: أرغب بدراسة الدكتوراه، هل تنصحني بذلك؟ في الحقيقة، قبل الشروع في الإجابة على مثل هذا السؤال، نحتاج لمعرفة ماهية هذه الدرجة العلمية المسماة بالدكتوراه ولماذا ندرسها؟ الدكتوراه درجة علمية تختلف كليًّا عن البكالوريوس والماجستير، تختلف في كل شيء، فالتركيز فيها ينصب على البحث العلمي منذ أول يوم لك فيها، ففي البكالوريوس والماجستير أنت تحصّل المعرفة، لكن في الدكتوراه مطلوب منك أن تضيف للمعرفة وإن اختلفت الأنظمة من بلد إلى آخر، يظل البحث العلمي والإضافة للمعرفة الأساس في هذه الدرجة العلمية. كثير من الأكاديميين ينظرون إلى الدكتوراه كرخصة للانخراط في العمل الأكاديمي والبحثي، ولذلك النظرة التقليدية تميل لأن هذه الدرجة لا يجب أن يحصل عليها إلا أولئك الذين لديهم ارتباط بمهام أكاديمية أو بحثية أو يرغبون بالانخراط فيها. من خلال معايشتي، وجدت مجموعة من الدوافع التي يمكن أن تؤدي إلى قرار دراسة الدكتوراه، وسأبدأ بالدوافع التي أعتبرها تستند على مفاهيم خاطئة للدكتوراه. أولًا، الرغبة في البقاء أكثر في بلد البعثة: الكثير من المبتعثين يستمتع كثيرًا بتجربة الابتعاث ويرغب في إطالتها لأطول مدة ممكنة، فبمجرد ما يكون في مرحلة الماجستير (ذات المدة القصيرة) تجده يفكر في كيفية الحصول على قبول دكتوراه ليستمر أطول فترة ممكنة معتبرًا أنها فرصة للحصول على شهادة أعلى وفي نفس الوقت البقاء في بلد البعثة التي يحب. ثانيًا، الضغط من الأصدقاء والمجتمع: قد يكون أحد الدوافع التي تجعل الشخص يفكر في الدكتوراه شعوره بضرورة أن يساوي نفسه بأقرانه وأصدقائه الحاصلين على الدكتوراه أو رغبته في التفوق عليهم، أو عندما يحصل الشخص على البكالوريوس أو الماجستير، نجد كل الناس وأهله يتمنون له الدكتوراه، فيتبرمج تلقائيًّا أن الدكتوراه هي الغاية، وهذه نظرة خاطئة. ثالثًا، تحقيق طموح الغير فيك: من الجميل أن تفكر في تحقيق رغبة والديك بأن تحصل على الدكتوراه ليتفاخرا بك في المجتمع، لكن الدكتوراه ليست فعلًا درجة للبريستيج الاجتماعي. الدكتوراه وسيلة لتحقيق غاية وليست الغاية نفسها. في مقابل الدوافع الخاطئة التي ذكرتها، هناك ثلاثة دوافع منطقية، إذا وجدتها فدراسة الدكتوراه قرار صحيح. أولًا، أن تكون لديك وظيفة أكاديمية أو بحثية: الغالبية العظمى من دارسي الدكتوراه هم معيدون ومحاضرون وإكمال الدكتوراه هو جزء من حياتهم الوظيفية. ثانيًا، أن تجد لديك الطموح الذاتي لأن تساهم في الإضافة للمعرفة عبر البحث العلمي، وهنا أنت ترضي شغفك وطموحك وتحقق ذاتك. ثالثًا، تطوير الذات: الدكتوراه درجة علمية تمنحك العديد من المهارات والفرص كالقدرة على التعبير عن أفكارك، زيادة ثقتك بنفسك، تنمية مهاراتك في البحث العلمي والتحليل النقدي والتفكير الإبداعي وتطوير علاقاتك مع العاملين في المجال البحثي والأكاديمي. دراستك للدكتوراه للحصول على عمل في القطاع الأكاديمي قد يكون دافعًا جيدًا، لكنه أيضًا قد يكون قرارًا مكلفًا للغاية من ناحية المال والوقت، ففي كثير من الأحيان قد لا تحصل على ما تريد، فالجامعات لديها معايير خاصة في التعيين وربما لن تتلاءم معها. لا تقل الجامعات مليئة بالمتعاقدين وهذا يعني وجود فرصة لي، هذه فرضية وليست حقيقة، هناك تفاصيل لا نعرفها تخص التعيين في الجامعات وقد تكون عائقًا أمامك. أخيرًا، الطموح أمرٌ جيّد، لكن ليس بالضرورة أن تحصل على الدكتوراه لتكون شخصًا طموحًا، خلال هذه السنوات التي ستقضيها للحصول على درجة ربما لا تكون مناسبة لك، سيكون بإمكانك أن تبدأ مشروعًا مربحًا أو أن تجد عملًا بالبكالوريوس أو الماجستير وتترقى فيه لأعلى المناصب. فكّر جيدًا قبل أن تتخذ قرارًا مثل هذا، فهذا الوقت هو جزء من عمرك. Twitter: @Madkhali_H