لي صاحب، كثيراً ما يتصل بي عندما يعجبه مقال أو تغريدة لي في تويتر, ويبادرني بتلقيبي «يا دكتور» وأذكر أني قلت له أكثر من مرة إنني لست (دكتوراً) بقصد إبراء نفسي من الادعاء بذلك، ولكنه يتغاضى ويكرر ذلك في كل مرة يوجه الحديث لي، في الأسبوع الماضي قلت له مرة أخرى «أنا لست دكتور وأرجو أن لا تنعتني بذلك أمام الناس فيعتقدون أنني ادعيت ذلك، وهناك حملة على من يدعي ما ليس له من العلم « فضحك وقال « أنا بروفسور متقاعد ومنحت درجة الدكتوراه لعشرات وهاأنا أمنحك واحدة منها». هذا الحديث هو مدخلي لمقال اليوم، فهناك حملة يقودها الدكتور موافق الرويلي لكشف زيف بعض الشهادات العليا التي يدعيها عدد ممن يتلقب بتلك الألقاب العلمية الرنانة، والدافع لتلك الحملة كما يقول أصحابها، هو حماية المجتمع من التزييف في التأهيل لأعمال ونشاطات تستحق الأفضل. ولكن هل من يبحث عن تلك الألقاب الرنانة هم يسعون لغش المجتمع؟ الدكتوراه في بلادنا مرتبة اجتماعية تحقق لصاحبها الاحترام والتقدير أكثر من كونها درجة علمية مضمنة بمسؤولية أخلاقية تجاه البحث والتحصيل العلمي، فمعظم من حازها بجدارة أو بتجارة من السعوديين، لم يحزها ليعمل في المجال الأكاديمي أو البحثي العلمي وهو ما يليق بها، بل أن بعضهم من كبار رجال الأعمال، لذا لا مجال للظن في أن معظم من سعى للحصول على شهادة الدكتوراه بطرق التيسير والتسهيل هم نازعون لغش المجتمع والإضرار به. فجل همهم فيما أعتقد، هو حيازة الاهتمام والاحترام الاجتماعي المصاحب للقب، لذا لابد أن نضع الأمور في نصابها ونعي أن من يسعى لحملة التشهير بهؤلاء مبالغون في ظنونهم ولهم أهدافهم التي منها الشعور بفقد التميز في زحام الدكاترة. المجتمع السعودي كأي مجتمع نامٍ ينظر للإنجاز الفردي نظرة تقدير واحترام، ويميل لوضع معيارية لذلك الإنجاز، فالإمارة والوزارة والتجارة والبروز في العلوم الدينية هي المجالات التقليدية لمنح هذا التقدير والناس تفخر بمن يحوزها من أقاربهم ومعارفهم، والعلم أصبح في هذا العصر من أبرز مجالات التقدير وهو المؤسس لتولي المجالات التقليدية، لذا رأى المجتمع في فكره الجمعي أن أرفع لقب علمي هو معيار التميز المعرفي، فصاحب الدكتوراه أعلم وأكثر مصداقية من صاحب الماجستير والأخير أعلم من صاحب البكالوريوس، وتبلور هذا الفكر الجمعي في توجه عام لدى الدولة لمنح المناصب والمراكز بناء على الدرجة العلمية فبات معظم الوزراء والمشايخ وكبار موظفي الدولة من حملة الدكتوراه وكذلك أعضاء المجالس المعينين من الشورى والمجالس البلدية. وكثير من هؤلاء ليس لديهم تميز معرفي أو إنجاز معروف سوى تلك الشهادة المرموقة. شهادة الدكتوراه هي درجة علمية تمنح بناء على تحقيق مسيرة تعليم مبرمجة، تعتمد البحث العلمي للوصول لنتاج متميز يضيف لمحصلة التعلم البشري، وقد باتت عملية البحث بما توفره التقنية عملية يسيرة، لذا سهل الأمر على من يسعى لتلك الشهادة، مع أن هناك تفاضلا بين الجامعات في منح تلك الشهادة مبني على مدى قناعة الجامعة في جاهزية الباحث وجدوى موضوع البحث للمحصلة المعرفية الإنسانية، وقليل من الحاصلين على شهادة الدكتوراه حصلوا عليها من جامعات تفرض معايير شديدة في قبول البحث العلمي، بل أن معظم الحاصلين على شهادة الدكتوراه من الأكاديميين السعوديين الذين يدرسون في جامعاتنا اكتفى بها ولم يسعَ لمزيد من البحث ليترقى، فبقي برتبة أستاذ مساعد، ومنهم من تقاعد وهو كذلك. المجتمع هو المسؤول عن سعي كثير ممن ليس مجالهم العمل الأكاديمي والبحثي للحصول على شهادة الدكتوراه وهو المسؤول عن خلق هذه الهالة من التبجيل لحاملها، حتى بات من يجد في نفسه الفضل على أصحابها يشعر بغبن واضح من المجتمع ولا سبيل أمامه لاكتساب ما يتوق له من تقدير إلا بحيازة تلك الشهادة، هذا الدافع سيستمر في دفع أعداد متزايدة من الناس للحصول على شهادة الدكتوراه بجدارة أو تجارة ولن يكفوا عن ذلك حتى يعي المجتمع وأصحاب القرارات في التعيين والتمكين أن شهادة الدكتوراه ليست المؤهل الوحيد للتميز المعرفي والفكري والتنفيذي. [email protected] Twitter @mmabalkhail