بعد زيارة فارغة لمهرجان التراث والثقافة قبل عامين من اليوم ووقائعه، أدركت جيداً كيف أن هذا المهرجان لا يعرف كيف يُكرم تراثنا ويقدمه بالطريقة التي يفترض أن يُقدم بها. لذلك لم أحزن حين أجابت إحداهن بأن زيارتها كانت ممتلئة بالكثير من الأكلات الشعبية (وبعض الأشياء المغبرة)! تتصدر أهداف المهرجان بموقعه الرسمي فكرة ترسيخ القيم الدينية والاجتماعية من خلاله, بينما نرى التناقض بين الأهداف الموضوعة وأرض المهرجان, الأمر الذي يجدر بثقافة أي مجتمع أن تتصدى له بالوحدة الثقافية التي بها تُبنى قوة الفكر والتراث. فكيف لنا أن نقيم موروثاً ثقافياً كدولة إسلامية ونسمح بممارسات تناقض هوية الدولة؟ في الوقت نفسه الذي نجلب فيه المنحط من الفنون والفكر مع جهاز رسمي وظيفته إنكار المخالف؟ البعض في هذا الوقت الذي ظهر فيه ضعف وكساح المهرجان ينادي بإيقافه, والآخر يرى بالعين التي لا ترى إلا ما ترغب، أن الضرر ناتج عن جهاز الهيئة، لذلك يفترض منع دخوله المهرجان, وذلك يعني إما أن نفقد المصلحين في الأرض أو نفقد الموروث الذي اجتهد الأولون ليسمو بزمانهم وينتقل لزمن أبنائهم, و كلا الخيارين لا يصنع الثقافة التي نرجو الانتماء إليها. حتى لا تتكرر الأحداث التي تبعدنا عن الفعاليات الثقافية التي تربطنا بزمن جميل, وحتى لا تكثر التصريحات والبيانات التي تحاول أن تتحرر من الأخطاء دون تصحيحها أو التوجيه بها، لأنه من الممل جداً أن أقرأ خبراً لحدثٍ سيئ بالمهرجان اليوم و أجد مراجعاً لنفس هذا الخبر بالسنوات السابقة, لذلك يجدر بالمنظمين تحديد هوية مهرجانهم بالطريقة التي لا تَضادَ فيها قبل أن يهتموا بالماديات وعدد الزوار والهزات! حتى نُمنح حق الفخر بالمهرجان التراثي الذي نراه مرآة حقيقة لماضينا, يعاودنا الشوق من خلاله إليه, ويظل صورة كريمة خالية من المنحط الذي لا ينتسب أبداً للفن والفكر تشرفنا وتمثلنا للدول وليس الدول التي تتمثل بنا فيه. الجنادرية, عُرس ثقافي فلنهتم بحلته وجوهره.