صَعَدَ إلى المنبر خَطِيْبَاً للجمعة، كعادته يحمل ورقته التي لا تفارقه حتى وهو يتلو الدّعَاء المكرور آخر خُطْبَتِه، والتي لو أن نَظَرَهُ تاه بين سطورها لِلَحْظَة، تَلَعْثَم لسانه، وارتعشت أركانه! الجمعة الماضية، تَحدث عن حُرمة الاحتفال برأس السنة، ثم تجاوز تلك المحطة، مؤكِداً تَحريم تهنئة النصارى بعيدهم؛ بَعْدها قَفَز على إنسانية الإسلام وأقوال علمائه المتسامحة، لِيَرفع صَوته ضاغطاً على كلماته ومهدّداً المُصَلِّيْن، ومؤكداً (بأنّ بعض الحَنَفِيّة قَد كَفّرُوا مَن يفعلُ ذلك؛ باعتباره مِن موالاة أهل الكُفَر!). وهنا (لَن نخوض في أحكام وتفصيلات تلك المسألة، فهي متروكة لأهل العلم والاختصاص)، ولكنّ مسارعة ذلك الإمام بالتكفير، وهو الذي يُسَوِّق لنفسه بأنه (داعِيَة)، ما هي إلا حلقة في مسلسل تجاوزات بعض الدُّعَاة وأئمة المساجد كالذي أصدر حكمه الشرعي ب (دِيَاثَة) كُلِّ مَن يُلحِقُ بناته بكليات الطِّب، أو ذاك الذي أفتى بأنّ زِنَا المحارم أهَون مِن ترك الجَمَاعَة في صلاة الفجر! وهنا أنا مع حرية القول والرأي، ولكن بشرط أن لاتَقْتَحِم المُسَلّمَات الدينية، وأن لا تبحث عن الأقوال الفقهيّة الشاذة والمتشَدّدة لِتُفَسِّقَ المسلمين وتُكَفّرَهُم، وتَزرع في شَرايين المجتمع التّشَدّد والتطرف! أهمية منابر المسَاجِد، وساحات الدّعْوة، لاسيما مع سطوة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة أراها تنادي بإعادة منظومة وإجراءات واشتراطات القيام ب (الإمامة والخَطَابة والدّعَوة)؛ بحيث تبتعد عن نمطية وتقليدية الاختيار والاشتراط؛ بحيث لايمارسها إلا مَن يحمل (رخصَة معتمدة من الشؤون الإسلامية) بعد تجاوزه لدبلوم شَرعي وفكري، على أن يسبق ذلك خضوعه لاختبارات نفسِيّة، مع إجادته لمهارات الحِوار والإلقاء! صَدقوني تنفيذ تلك الخطوات ستضمن تعزيز دور المسجد والدعوة في المجتمع، وفي نشر وسطية الإسلام وعدالته، وستحُدّ من حضور الأصوات التي تزرع الفتنة جَهلاً أو بحثاً عن الإثَارة، أو دعم توجهاتهم وأيدلوجياتهم التي يؤمنون بها؛ فمتى تفعلها (الشؤون الإسلامية)؛ مستثمرة الكليات والتخصصات الشرعية التي تحتضنها جامعاتنا؟! [email protected]