قبل أيام أمسكتُ بالقلم لكتابة مقال بمناسبة ذكرى (يومنا الوطني)؛ حينها فكرتُ قليلاً في معنى (الوطنيَّة)، وكيفية إبرازها، والاحتفال بها في يومها؛ فاسترجعتُ حروفًا كتبتها قبل سنوات كانت تتساءل: هل (الوَطَنِيَّة)؛ تمثلها تلك (اللوحات) التي تغرقُ بها الطرق والميادين، وتحتضن عبارات مكرورة جاهزة ومعلَّبة صَنعتها ألسِنَة وأيدي العاملين في محلات الدعاية والإعلان؟. وهل (الوطنيَّة) مجرد قصيدة نظمها شَاعِرٌ ما؛ أداءً للواجب، أو طمعًا بحفنة من ريالات؛ فخرجت أبياتها جَوْفاء لا إحساس فيها ولا روح؟ أم هي تلكم الأغنية الراقصة التي يتمايل على وَقْع نغماتها مراهق طَرْبَان، يبحث عن هَزِّ جَسَده تحت أيِّة ذريعة، ثُمَّ بعدها يتحوَّل لِمُمَارسَة العَبَثِ بأيِّة وسيلة؟. وهل (الوطنيَّة) ترتسم في إلزام الطلاب والطالبات، وأولياء أمورهم بإحضار أعلام وأدوات خضراء؟! أم أنها ذاك الدَرس الإنشَائي الذي سَيُكَلّفُ المعلمون والمعلمات في مدارسهم، وأعضاء هيئة التدريس في جامعاتهم بإلقائه على طلابهم بتلك المناسبة؟. أعتقد أن تلك الصور من الفعاليات والاحتفاليات -التي لم تتغير هيئتها وأسلوبها منذ سنوات- إنما تَخْتَزِلُ (الوطنيَّة) والانتماء ل»الوطن» في (القُشُور، والشَّكلِيات والهَامِش)!! ف(الوطنية) في جوهرها غَريزةٌ، وانتماء روحي رَبَّانِي، وعطاء متبادل بين الإنسان أو (المُواطن)، وبين المكان أو (الوَطَن)؛ وهناك جَداول وينابيع تَسْقِي تلك الغَريزة الفِطرِيَّة، وتُقَوِّي من جذورها. واليوم -وبعيدًا عن اجترار الماضي بلوحات، أو برامج إعلاميَّة، أو قصائد، وأغاني وشَيْلات- وفي ظل ما يحيط ببلادنا من مخاطر وتحدِّيات أمنيَّة وفكريَّة واقتصاديَّة، ما أحوجنا إلى إعادة صياغة (احتفالنا بيومنا الوطني)؛ ليشتمل على فعاليَّات مختلفة تُعزِّز من الانتماء في النفوس، وتُقدِّم للناشئة الدروس، ومنها مثلاً: تكريم كل مَن برزوا العام الماضي في خدمة وطنهم، والتضحية من أجل حمايته، ورفع رايته في شتَّى المجالات، (ورجال جيشنا وأمننا) لاشك سيكونون في رأس قائمة المكرَّمين هذه السنة. أيضًا أرى أهمية أن نستثمر (ذكرى اليوم الوطني) في إطلاق برامج تزيد من وحدة مجتمعنا، وتُحارب ما قد يُهدِّدها من عصبيات (طائفيَّة، أو قَبَلِيَّة، أو مناطقيَّة). وكم أتمنى أن يكون (اليوم الوطني) فرصة لكي تُقدِّم فيه مؤسساتنا كافة كَشْفَ حساب مُعْلن وجاد عن عطاءاتها ومشروعاتها السابقة؛ منه تنطلق لبناء مستقبل أفضل. فمثل تلك الفعاليَّات تُحقِّق (الوَطَنِيَّة) الصَادقة التي تتجاوز لغة اللسان، لِتُصْبِح نَبْضًا في القلوب يَصْنع الأفعال. أخيرًا، شكرًا لكل مواطن شارك في بناء وطنه، شكرًا لكم أبطال جيشنا وأمْنِنَا، نُقدِّر تضحياتكم، ونفتخر بها، حفظكم الله ونصركم، ورحم من استشهد منكم، وأدام على وطننا الغالي نعمة الإسلام، والأمن، ورغد العيش. [email protected]