بينما تتفاقم الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية المتوحشة ضد إخوتنا الفلسطينيين ، وتتنامى انتهاكات العدو -التي لن يكون آخرها اقتحام مجموعة من المتطرفين اليهود لباحات المسجد الأقصى في ذكرى مايسمونه خراب الهيكل- وقت كتابة مقالي هذا، إلى باقي الأفعال الإجرامية من قتل وأسر وتعذيب وحصار وتجويع وامتهان للكرامة ! بينما يحدث كل هذا الإجرام الموغل في الوحشية يومياً، يخرج علينا دعاة التطبيع مابين حين وآخر بفعل انهزامي غير مسؤول يخطبون به ود العدو ، مقدمين حججاً ودفوعاً هزيلة يدثرون بها عوار أفعالهم ، غير مبالين بما يجره سوء صنيعهم على بلادنا من تهم وأقاويل، كما حدث في زيارة أحدهم الأخيرة لإسرائيل ! إن مقاطعة الكيان الغاصب المزروع ظلماً في قلب أراضينا العربية ، واجب أخلاقي وإنساني ، قبل أن يكون واجباً وطنياً عربياً قومياً ، وهو فعل ينادي به كافة الشرفاء في العالم وليس حكراً على العرب والعروبة . فالوقوف مع فلسطين وأهلها يحمل اليوم بعداً رمزياً قوي الدلالة لكل من يروم العدالة ، ويرفض الظلم واغتصاب الأراضي .ولا أدل على ذلك من أصوات شرفاء العالم في حملة BDS الداعية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها ، ناهيك عن عدد من الدول المقاطعة لهذا الكيان كفنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا ، إلى المؤسسات التعليمية كجامعة ( دي بول ) وغيرها من المقاطعين . بمافيهم أصوات غربية فردية - كالنائب البريطاني ( جورج جالوي ) - تفند حجج المحتل المهترئة ، والتي يسوّقها - للمفارقة - بعض بني جلدتنا من دعاة التطبيع ، سواء عندما يقومون بأفعالهم الهوجاء ، أوعندما يدافع بعضهم عمن قام بها ! فيتشدقون بسلام مزعوم ثبت أن إسرائيل نفسها غير راغبة فيه برفضها للمبادرة العربية ، وذلك رغم الأوضاع بالغة السوء التي يرزح إخوتنا الفلسطينيون تحت وطأتها في كافة الأحوال، سواء أثناء محادثات السلام الماضية أو بعد توقفها حتى وقتنا الحالي ، على عكس مايزعم بعضهم ! تقوم دفوع المطبعين على عقد المقارنة بين إسرائيل وإيران وتصوير خلافنا مع الأخيرة على أنه تأبيدي ، وليس مرتبطاً بنظامها الحالي وسياسة حكومتها التوسعية الرعناء في المنطقة ، مما يصب في مصلحة إسرائيل وتبييض سمعتها حتى في ما إذا توفر حسن النية ! فعقد المقارنة هنا يهدف لتقزيم الخطر الإسرائيلي والتقليل من سوئه وأفعاله الإجرامية ، بينما شتان ما بين الصراع الوجودي القائم على الاغتصاب والادعاء بالحق في أرض فلسطين العربية ، ومابين رفضنا الشديد لسياسات إيران المتعدية واختلافاتنا معها والقابلة للتسوية فيما لو تعقلنت تلك السياسات . كان التطبيع ولا يزال غاية مايتمناه العدو الإسرائيلي الرابض على صدورنا منذ عام 1948، إذ إن وجوده الغاصب في قلب عالم عربي رافض له ، يؤرقه ويشعره بالتهديد ويستلب شعوره بالأمان ، بينما سيمنحه التطبيع الشرعية والشعور المطمئن بالقبول من دول وسكان منطقتنا ، وهو أقصى مايطمح إليه هذا الكيان الدخيل ، كما سيكون التطبيع هدية مجانية مقدمة له دون مردود ، مما يعني مكاسب اقتصادية كبيرة لدولة صناعية خارج حدود المنافسة في منطقتنا! الخطير أيضاً أن التطبيع ، سيقطع وشائج الصلة بين الأجيال العربية الناشئة وبين قضيتنا الأم التي تربى وجداننا الجمعي على الانتصار لها ، واستدعائها كعنصر جامع وموحد للعرب تحت راية حلم العودة ، الذي سنظل نُطْبق أحداقنا عليه رغم أنف العدو والداعين للتطبيع معه . فيما تُرضع إسرائيل أبناءها العنصرية وتلقنهم كراهية العرب منذ نعومة أظفارهم في المدارس ، كما وضح الزميل القدير (محمد البلادي) في مقاله المنشور في هذه الصحيفة السبت الماضي ، وفيه سلط الضوء على دراسة الدكتور (ربيع عبد الوهاب ) التي تطرقت لتنامي النمط المتطرف من التعليم في إسرائيل ! المقاومة هي قدرنا كعرب في وجه محتل غاصب وليس التطبيع ، وما المقاطعة إلا فعل المقاومة المتاح لنا حالياً،ومن الحكمة عدم التفريط فيه ! [email protected]