لماذا يغلق أردوغان كل هذا العدد الضخم من المدارس والجامعات ؟! ولماذا يسرّح آلاف المعلمين ؟! قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة الى أن المؤسسة التعليمية التركية هي من كسبت الجولة خلال أحداث الأسبوع الماضي، فوقوف مخرجاتها ( الواعية ) في وجه محاولة العسكر الفاشلة للاستدارة بتركيا نحو الخلف ، والنكوص بها الى قيود القبضة العسكرية الحمراء التي (جمّدت) العملاق التركي لقرون طويلة هو انتصار للوعي والتعليم ولاشك . أكثر ما تراهن عليه الانقلابات العسكرية أمران .. أولهما الجهل الممزوج بالعاطفة ، حيث تلهب الخطب النارية والوعود الرنانة عواطف العامة ،وتتلاعب بأحلامهم ورغباتهم .. وثانيهما ( الأدلجة) أو( البرمجة) الفكرية، التي تحبس العقل في فكرة واحدة ، اعتماداً على مفهوم طائفي أو مناطقي أو حزبي ضيق ، تماماً كما حدث في بعض الدول العربية في الستينيات وقبل ذلك في أوروبا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي . اللافت هنا أن أكبر نواقض كلا النوعين هو التعليم الحر المبني على فكر أكثر حرية . من يعرف حجم التغير النوعي في الشخصية التركية خلال العقدين الأخيرين ، يدرك معنى الانتصار التعليمي الذي أعنيه ..ومن يعرف دهاليز التنافس المحموم في ميدان صناعة التعليم هناك والذي تتقاتل فيه جماعات وأحزاب وأيديولوجيات عدة ( جماعة فتح الله غولن وحدها تملك أكثر من 16000 مدرسة ) سيجد تفسيراً لرغبة أردوغان في استغلال الحدث وسحب البساط من تحت (أفكار) خصومه وعلى رأسهم غولن وجماعة الخدمة ! التعليم الذي أحدث الفارق التنموي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا هو من حماها في معركة الجمعة الماضية وليس أردوغان ، فمع يقيني التام بوجود نسبة كبيرة من المؤدلجين و( المؤلفة عقولهم ) ، إلا أن العقليات الواعية التي تناست للحظة كل خلافاتها واصطفت مع الديموقراطية ومؤسساتها هي من كان لها الكلمة الفصل في إسقاط الانقلاب ، دفاعاً عن حياة كريمة وفرتها لهم دولة ديموقراطية توازي ميزانية التعليم والبحث العلمي فيها ميزانية دول عربية بأكملها ! . العقول إذا تمددت واتسعت لا تعود للضيق مرة أخرى. [email protected]