هذه حكاية تشتعل كشمس في كتاب، أكتبها عن رجل من الحصادين، إنه من الرجال الذين يرفعون وجوههم المضيئة للتاريخ، فهو كرَّس علمه وعمله من أجل فاقدي البصر.. هو من الحصادين أبناء الحقول الذين لا وقت لديهم للقيلولة.. في ثيابهم تنضح رائحة تعب قديم.. إنه عضو مجلس الشورى، أمين عام جائزة الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة الدكتور ناصر بن علي عبدالله الموسى. رجل لم يكن يؤرّقه خاطر واحد ليلاً ونهارًا غير كيف يتعلّم ممّا تألّم؛ ليدعم فاقد البصر، رجل علّمني أن لكل شيء توقيتًا، حتّى الأحلام لها فترة صلاحية.. قرّر ذلك العملاق أن يمضي قبل أن تتبدّل الحروف والأزمنة، ويميل قرص الشمس إلى المغيب. هذا الثلاثاء سأغمس ريشتي المتواضعة في محبرة الزمان، وأكتب لكم «حروفًا» عن سيرته الذاتية، أبحاثه، ومؤلّفاته تتوهّج، تزين تاريخ حياته، أعماله وجهوده ملمومة من أرض الواقع، سخر التقنية لفاقدى البصر.. فقدانه للبصر تجربة مضيئة.. منجم من الأعمال والإنجازات كعطر يسيل من عنق الفجر.. الدكتور ناصر الإنسان الذي كان يحب الآخرين أكثر من نفسه.. يستمر في الكتابة لخدمة المكفوفين في المملكة العربية السعودية بدراسات بحثية، وندوات تهدف للرفع من مستوى حياة المكفوف، وتأهيله ليكون شخصًا منتجًا ومستقلاً، لا تثنيه الإعاقة من المشاركة في المجتمع. يكتب عن أشخاص دخلوا حياته كالجداول الصغيرة، منهم من أعطاه ماء شديد الملوحة، ومنهم من أعطاه شقفة عسل.. حتى أوجاع ذلك العملاق أليفة.. يستمر في النزهة المبهجة ليبقي للزمن سحره في الذاكرة، مستعرضًا زمنًا جميلاً من حياته يوثق الماضي، ويشخص الحاضر، ويستشرف المستقبل. مع أن الدكتور ناصر فقد البصر لكنه لم يفقد البصيرة، سخر أعاقته ليخدم به الحاضر ويلمس به سبيلًا نحو المستقبل، فالوطن يدين له بعمل عظيم.. وأنا أدين له بأمل حليم. [email protected]