من الثابت أن الدول المتقدمة تولي جل اهتمامها لبناء الخطط بكل أبعادها الثلاثة البعيدة الأجل والمتوسطة والقريبة ، ولاشك أن بناء تلك الخطط لابد وأن ينطلق من قواعد علمية تضمنها علم التخطيط حيث إن لكل بعد من تلك الأبعاد خصائصه وسماته وله أهدافه وبرامجه وآلياته فمثلاً الخطط بعيدة الأجل قد تمتد لعشرات السنين ويطلق عليها الخطط الاستراتيجية لتباعد مساحة تطلعاتها لذا نجد أنها تحمل رؤى وتطلعات واسعة المدى ، وهي خطط تتسم بالثبات والقدرة على مواجهة التحديات الطارئة ثم تنطلق من تلك الرؤى والتطلعات الواسعة .. الخطط المتوسطة الأجل التي تتضمن أيضاً الأهداف والبرامج والآليات المرتبطة بعناصرها المحددة وهذا النوع من الخطط يتسم بالمرونة بعض الشئ عند مواجهة التحديات لكنها تبقى أكثر ثباتاً من الخطط قصيرة الأجل التي تكون أكثر مرونة في مواجهة التحديات المحيطة كونها محدودة الزمن وسريعة التنفيذ . وبإسقاط ذلك على حال مؤسساتنا نجد أن الكثير منها يفتقد لتلك الخطط وإن وجد فهي مجرد حبر على ورق أو قد تكون من نوع الخطط قريبة الأجل التي يسهل بعثرتها والتغيير في مكوناتها حسب الرغبات أما الخطط المتوسطة والبعيدة الأجل فهي شبه مفقودة وإن وجدت أيضاً فهي قابلة للتطويع من قبل كل مسؤول وهو ما يخالف سمتها المستوجبة لها حيث إن المتابع لحال مؤسساتنا يجد أن تلك الخطط تصاغ وتطوع حسب ما يراه المسؤول وهنا تكمن أغلب المشكلات التنموية التي تدفع بالمؤسسة الى النمو المتراكم تبعاً لتلك الخطط فنراها تفتقد للعمل المؤسسي الذي يتطلب الانطلاق من حيث انتهى الآخرون فيصبح الانطلاق من حيث تولى المسؤول ثم تتحول تلك الاهداف والبرامج والآليات الى تلميع للمسؤول وهكذا يصبح حراك المؤسسة من حيث بدأ المسؤول لا من حيث انتهي من قبله وفي ظل تلك المعمعة التخطيطية غير العلمية تضيع الجهود وتهدر الأموال وتنقضي السنون والعمل التنموي بتلك المؤسسات مكانك سر أو طالع نازل حسب جهد وإخلاص المسؤول . ولعل ملك الحزم رعاه الله قد شعر بذلك الخلل الفادح فأشار في خطابه الكريم عند اعلان الميزانية قبل أيام حيث أكد على ضرورة إحداث الكثير من عمليات الإصلاح الاداري في مؤسساتنا ويقينى أن سمو ولي العهد رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية وسمو ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سيحدثان ذلك الإصلاح قريباً انطلاقاً من مبدأ العمل المؤسسي المستوجب أن تلتزم به مؤسساتنا والذي يدفع بها الى النمو المتتابع وفق تلك الخطط .