من مجمل الأهداف والأفكار والتصورات، وحتى الأحلام، التي نخرج بها من برنامج التحول الوطني هو أننا ننتقل إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة (إعادة اختراع الحكومة)، فنحن ازاء تحول جديد في ذهنية الحكم. برنامج التحول الوطني (المملكة 2020)، الذي بحول الله سوف ينطلق قريبا، يحمل مؤشرات ومسارات إيجابية لمستقبل بلادنا، برنامج طموح في أهدافه وتطلعاته، وهذا تقريبا هو ما نريد لبلادنا ولمستقبل أبنائنا. نريد طموح القيادة، رؤيتها للمستقبل.. نريد معرفتها بإمكانياتنا الكبيرة التي لم نستثمرها، وأهمها إمكاناتنا البشرية وثرواتنا الطبيعية، فكل امكاناتنا جديرة بأن تجعلنا مؤهلين لاستكشاف الفرص ومواجهة التحديات، لأجل مستقبل سوف يجعلنا جميعا، بحول الله، ننعم سويا بخيرات بلادنا. البرنامج نظر إلى ثلاثة جوانب أساسية في مشروع التحول هي المجتمع والقطاع الخاص والقطاع العام، هذه الأساسيات تواجه العديد من المتغيرات والتحديات، وما يتطلع إليه البرنامج هو (إعادة هندسة) هذه الأساسيات عبر عشرات المبادرات لاجل أن تتحول بلادنا إلى حقبة (إنتاج الثروة) والخروج من مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للدخل، أي الخروج من (الاقتصاد الريعي). برنامج التحول يقوم على مبادئ ومحاور تنطلق من رؤية وتطلع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والذي أكد، يحفظه الله، ان هدفه الأول هو (ان تكون بلادنا نموذجا ناجحا ورائدا في العالم على كافة الاصعدة) وقد بادر العاملون على البرنامج في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى استكشاف ما لدى جميع الأجهزة الحكومية من خطط وبرامج، وكذلك مؤسسات القطاع الخاص. ولإنجاح البرنامج تم الأربعاء الماضي دعوة نخبة من قيادات الأجهزة الحكومية والخاصة والأهلية وقادة الفكر والرأي إلى ورشة عمل كبرى في الرياض لتقديم الرأي والمشورة إلى الفرق الفنية العاملة، وهذا توجه ايجابي لإثراء مدخلات البرنامج وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صياغته. من المبادئ التي يسعى لها البرنامج (تمكين) الدولة بمكوناتها الأساسية. تمكين المجتمع السعودي ليدخل بقوة إلى حقبة جديدة تتسم بالإبداع والانتاجية، وكذلك تمكين الاقتصاد الوطني عبر تفعيل دور القطاع الخاص ودعم التنافسية والخصخصة، ويستهدف أيضا تمكين الادارة الحكومية عبر توسيع الشفافية وتحديد المسؤولية وحفظ الحقوق. البرنامج يتطلع إلى استثمار كل الفرص المتاحة لرفع مستوى (الرفاه الاجتماعي) للشعب السعودي. اذا نحن نتحدث دائما عن ضرورة بناء الجبهة الداخلية لنحمي بلادنا من الأوضاع المقلقة حولنا، فهذا البرنامج يضع خارطة طريق لتحصين الجبهة الداخلية، ويعطي مشروعية سياسية إضافية تستكمل بناء هوية الدولة وتقوي مؤسساتها السيادية، فالبرنامج سوف يجعلنا ننشغل بما ينفعنا، ويزيدنا تماسكا ويفتح فرصا واسعة بالذات للشباب عبر المشروعات الصغيرة وعبر الفرص الوظيفية الواسعة التي سوف تتيحها برامج التخصيص للقطاعات الخدمية مثل البلديّات. بناء الجبهة الداخلية يتطلب الإدارة الحصيفة لنفقات الدولة، والعمل على ايجاد موارد مالية مستدامة متنامية وهذا ما يستهدفه البرنامج عبر عدة مسارات، مثل رفع مستوى الادارة الحكومية حتى تكون ذكية في تقديم الدعم ليخدم القطاعات ذات الإنتاجية العالية، ويخدم أصحاب الدخل المتوسط والضعيف، وأيضا مبادرة في تنمية الموارد المالية للدولة، وتقوية الآليات الذكية التي تعزز النزاهة وتحارب الفساد، وعبر مسار تنمية مستدامة للموارد البشرية في الدولة تركز على بناء الصف الثاني، وعبر آلية موضوعية لاختيار القيادات الحكومية من مستودع الكفاءات الوطنية المؤهلة. الأفكار والأهداف والتصورات التي يحملها البرنامج سوف تؤدي إلى (إعادة اختراع الحكومة)، بآلياتها وطرق عملها وقياس إنتاجيتها وكفاءة مخرجاتها، وربما تلغي الآلية التقليدية لإعداد ميزانية الدولة والاتجاه إلى آلية جديدة. الواضح أن الادارة الحكومية سوف تتحول إلى (الادارة بالاهداف)، كل جهاز حكومي لديه أهداف معلنة يختارها حسب برنامج الدولة ورؤيتها، ثم يخطط لتحقيقها، ويراجع مسار إنجازها، وهناك مؤشرات إنجاز رئيسية يتابعها جهاز متخصص مستقل لمعرفة مدى تحقيق الأهداف، ومستقبل المسؤولين في الدولة مرهون بتحقيق أهدافهم. الادارة بالأهداف تحقق الادارة أو القيادة الجماعية، وتجعل العمليات الحكومية أكثر عقلانية وأكثر حساسية لمراقبة التكاليف التشغيلية، كما انها تحفز على الإبداع في ايجاد آليات تنفيذية أسرع وأقل تكلفة لتحقيق الأهداف، وكذلك تدفع إلى نمو الذهنيات المنفتحة على التعلم واكتساب التجارب، وكل هذه نفتقدها في عمل الجهاز الحكومي، فغالبا كل جهاز يعمل لوحده، وشاهدنا تنازع الصلاحيات الذي أضرنا كثيرا، والقطاع العام مثقل بالبطالة المقنعة وبالمحبطين، ولا ننسى المتلاعبين بالزمن وبمصالح الدولة. أيضا في هذا البرنامج آلية جديدة مهمة لم نعهدها وهي (التحليل المالي) لأداء القطاع العام، ولربحية ممتلكات الدولة، وربحية الصناديق المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، فهذه بقيت لسنوات طويلة خارج اعتبارات التحليل المالي المحترف الذي يبحث في العوائد التي تجنيها الدولة من أصولها ومن برامج التمويل الواسعة للقطاع التجاري والصناعي. كثير منا.. ومنذ سنوات بعيدة كنّا نرى ونستغرب وجود مقرات حكومية تقع على شوارع استثمارية متميزة وعلى الشواطئ، وفي مواقع مثالية لإقامة المشاريع الاستثمارية السياحية. كنّا نرى ذلك وفقط: نتحسر على الموارد المالية المهدرة! البرنامج الجديد، وفي سبيل تنمية موارد الدولة، يستهدف النظر في جميع هذه الأصول، الأمير محمد وفي سبيل إنفاذ هذا التوجه لتنمية موارد الدولة قال للحضور: سوف نبدأ بأنفسنا، أي بممتلكات وزارة الدفاع. الأمير محمد بن سلمان في الكلمة التي ألقاها بحضور المشاركين في ورشة العمل عرض برنامج التحول بكل وضوح ورؤية القائد، بدءا بالفلسفة الإدارية التي بُني عليها. عرض أهدافه القريبة والبعيدة، وشرح آلية عمله في السنوات القادمة، وأبدى بكل وضوح إرادة الدولة لتحقيقه وحشد كل الطاقات لإنجازه، وقد خرج أغلب من استمع إلى الكلمة وما بعدها من حوار بانطباع مريح عن توجه الدولة، وايضا خرجنا بأمل وتفاؤل كبيرين في مستقبل بلادنا، وقدرتها على تحدي الظروف. الأمير محمد كان مستحضرا كل المتطلبات الضرورية لبرنامج ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمير محمد بن نايف لبناء دولة مؤسسات قادرة على استيعاب التحديات التي تواجهنا الآن ومستقبلا. الأمر المفرح ان الأمير محمد عندما تحدث عن التحديات كان مدركا انها أيضا تحمل فرص وبذور الإصلاح والتطوير، وهذا (التفكير الإيجابي) هو أحد المعالم الضرورية لإعادة اختراع الحكومة، وأحد مؤشرات تطور ذهنية الحكم. من حقنا أن نفرح لمستقبل بلادنا، ومستقبل أبنائنا ومن حقنا ايضا أن نحرص على نجاح برنامج التحول الحكومي. الأمير محمد بن سلمان قبل الخروج من القاعة طالب الحضور ب(تحدي) الأهداف التي وضعها الوزراء، قال: قبل الثناء، كلنا مطالبون بتحدي الأهداف بالرأي والمشورة والنقد الموضوعي.