حين تنطلق بسيارتك صوب البحر وبعد أن فتكت بعظامك اختناقات الطرق وتَبَّاتهَا الإسمنتية، لا ترتعب حين تنزل منها وأنت تجر قدميك جرًا حتى تثبتهما على الأرض، هذا هو الحال ولا غرابة، يبقى أن كل ما عليك التقاط مقعدك البحري من شنطة سيارتك، وإن كان في استطاعتك فتحه والارتماء بجسدك عليه فأنت بخير ونعمة. أنت الآن وصلت لحالة التمتمة والتضجُّر من تلك الارتجاجات الجسدية، وعيناك تطوفان المكان دون تركيز وأنفاسك المتسارعة تثبت أنك لازلت على قيد الحياة. ***** حتى وهو يضع نظارته الطبية على عينيه كان منظر البحر أمامه ضبابيًا قاتمًا.. الخطى تأخذه إلى حيث تريد نفسه.. ورغم ضبابية الرؤية تلك.. ورغم اكتظاظ المكان بالأجساد المتحركة.. كان السكون يغلف أذنيه.. والتأمل كان متسيدًا الموقف برمته، ليرسم في مخيلته صورة ثلاثية الأبعاد لمشهدٍ مفقود، ومكان غاب لف الغياب صوته. ***** لا يأخذك الانبهار بعيدًا عن واقعك حين ترتفع أمواج البحر عاليًا، ففي ارتفاعها ذاك ثم ارتطامها بنفسها على حافة الشاطئ جبروت وقوة مخيفة.. ولا تأخذك النشوة وتقف في وجهها وهي على تلك الحالة، فالموج عالم متحيز للانقلاب عليك وخطفك في أي لحظة. ***** كانت الرقعة تحت قدميه تتسع تربيعًا وتكعيبًا، حتى بلغت من التلاشي حده عرضًا وعمقاً، شيئًا فشيئًا خفت مد البحر وجزره وتوارى حتى اختفى، ولم يتبق منه سوى مقعد.. ولوحة.. وريشة خطفت من البحر لونه قبل التلاشي. الصورة في اللوحة كانت ملامحًا تَشِي أن الحياة رسمت على صفحة وجهه انعكاسات أنهكت قواه واثقلت كاهله، وعملت على جسده النحيل حفرًا وتنقيبًا ونحتًا حتى استوطنت عمره وباتت جزءًا كبيرًا من حظه إن لم تكن حظه كله. ** مرصد: هرول إلى البحر حين ترغب في التنفس بعمق.. وبعمق.. وبعمق. هرول إليه حين تسلم دماغك لكل ما هبّ ودبّ من ضغوطات الحياة. هرول إلى البحر متى ما كان أمسك مثل يومك وغدك. الأهم من ذا كله.. أن تهرول من البحر حين يطب عليك أحدهم ويقول لك: ما شاء الله انت على البحر!!؟؟ غلطان يالطيب أنا في الطريق وتوني وصلت!!. [email protected]