لا يختلف اثنان أن الموهبة نعمة جميلة يمكن أن يمتلكها أي شخص وينميها ويطورها، ولكن ما أصبحت تنتهجه برامج المواهب والتي أخذت شهرتها وجماهيريتها خلال الخمس أو الست سنوات الأخيرة بشكل واسع في العالم العربي؛ يحتاج لإعادة نظر فيما يمكن أن تُرسِّخه من مفاهيم في عقول الشباب الصغير في السن، وهم أكثر فئة تستهويهم وتدفعهم لمتابعة هذه البرامج، لأن برامج المواهب والتي أمتعتنا بعرض مواهب جميلة وفريدة من نوعها للشباب العربي هي نفسها التي كرّست بقصد أو بدون قصد مفهوم بات لدى كثير من أبنائنا وبناتنا هو وللأسف أن الموهبة أفضل من الشهادة، بل أصبح هناك شبه اقنتاع أن امتلاك الفرد لموهبة في عصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي وهذه البرامج الداعمة يمكن أن تحقق له الشهرة وبالتالي بناء مستقبل وثروة في وقت قياسي قد لا تُحقّقه سنوات الدراسة الطويلة وسهر الليالي، بل إن بعض الشباب والشابات اللواتي دار بيني وبينهم حوار بالصدفة عن هذه البرامج؛ عكسوا مدى قناعتهم بما يمكن أن تُحقّقه الموهبة أكثر من الشهادة، مستشهدين بلاعبي الكرة الذين حققوا بموهبتهم الكروية نجاحًا أوصلهم للعالمية إلى جانب المواهب الأخرى ابتداءً بالصوت والتمثيل، وصولاً بألعاب الخفة، موضحين أن الوضع الحالي يشهد بأن أكثر الناس ثروة وشهرة من الشباب هم من يمتلكون المواهب، فكرة خطيرة بدأت تتكرس في أذهان الشباب، وتُقلِّل من أهمية الشهادات والتحصيل العلمي، واقع مرير لزمن أصبح العالم يتغير بسرعة، والمفاهيم فيه أيضًا تتغيّر، فبعد أن كان الشباب يعتقد أن كل ما يمكن أن يُحقِّقه في مستقبله يرتكز على شهادته وتخصصه؛ أصبح يرى أن الشهادة والتخصص ستأخذ من عمره الكثير، ولن تمنحه بالمقابل إلا القليل، في حين أن أي موهبة يمكن أن تكون له كورقة اليانصيب، متناسين أن العلم يُغيِّر العقل والفكر والمستقبل، ما إذا آمنا به وبأهميته في حياتنا، ولأن شواهد الشباب المعجب والمقتنع بخط برامج المواهب، وما تبثه من رسائل للعالم تؤكد أن موهبتك أسرع طريق للشهرة والثراء، رغبت أن استشهد بدوري بقصة تدل على أن العلم يُغيِّر المصير والمستقبل بشكل مشرِّف، فبعد أن كان موظف أمن بجامعة الملك سعود، يصبح عضو هيئة تدريس فيها، الدكتور عبدالله النهاسي لابد أن يكون مثالاً للشباب بعلمه المدعم بالشهادة، والذي غيّر واقعه ومستقبله، فهذه المكتسبات هي الباقية معه إلى نهاية حياته، لأن المواهب رغم سرعة بريقها لها عمر افتراضي وينتهي.