يشكو الكثير من شبابنا من عدم استطاعتهم القيام ببعض الأعمال، مما يجعلهم يتوجهون إلى غيرهم لطلب المساعدة دون الإحساس بمدى الضيق الذي يسببونه لغيرهم، خصوصا إذا كان الأمر سهل وبالإمكان تنفيذه لو تم التركيز قليلا مع بعض من الجدية والرغبة الجادة في تحقيق ذلك، مما جعل هذه الفئة أو الشريحة والتي يطلق عليها "الاتكاليون"، تزداد بشكل كبير مع اختلاف في نوع العجز أو الكسل الذي يعانيه كل نوع، فبعضهم نجدهم يطالب الدولة بتوفير وظيفة خاصة به يستطيع من خلالها العمل بالطريقة التي يتمناها، وتارة أخرى نجدهم "يتكلون" على العمالة الوافدة في تحقيق ابسط الخدمات، والتي يستطيع أي شخص أن يقوم بها متناسين قول الإمام الشافعي "ما حك جلدك مثل ظفرك"، ورغم تناقل هذه الكلمة بين الأجيال إلا أن الكثير وللأسف الشديد لا يذكرها، حيث نشاهد الكثيرون يتذمرون من الخدمات العامة، رغم أنهم لا يساهمون أبدا في تطويرها بأقل القليل من"إماطة الأذى عن الطريق"، والذي حثنا عليها رسولنا الكريم صلوات الله علية. رغبة للنجاح بدون عمل قد يرغب الجميع بالنجاح وارتقاء أعلى المناصب وتحقيق الكثير من الأحلام، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك بسبب عدم رغبة الكثير للسعي والاجتهاد، حيث نجد بعض الطلاب "يتكلون" على زملائهم في إنهاء بحوثهم وواجباتهم الفصلية، رافضين بأن تكون "اتكالية" بل يصفونها بالمساعدة، بينما خريج الجامعة ينتظر الوظيفة الحكومية سنوات، ودائما ما يضع اللوم على الجهات الحكومية لأنها "لم توفر" له الفرصة الوظيفية، بالرغم أن المملكة تزخر بأكثر من 7 ملايين عامل، مما يدل على أن فرص العمل كثيرة، منها الفرصة الفردية ومنها في مؤسسات القطاع الخاص. وتجد الكثير من العاطلين عن العمل يتذمرون من عدم وجود وظائف تناسب قدراتهم ومواهبهم، دون أن يقوموا ببحث جاد بين الشركات، مكتفين باستخدام الوسائل الالكترونية الحديثة لإرسال أوراقهم، بل يتعدى ذلك بطلبهم من زملائهم أو أصدقائهم بالقيام بذلك، ومن جهة أخرى نجد المتسولون يتفننون بابتكار طرق حديثة لسلب الناس واستعطاف قلوبهم، دون التفكير والبحث بجد عن طريقة بديلة ومحترمه تحفظ لهم كرامتهم وتحقق لهم حياة كريمة، دون استغلال سمة وطابع المجتمع الشرقي بشكل عام، والذي يمتاز بالتعاون والمساعدة والذي خلق الكثير من "الاتكاليين" في المجتمع. يتحدون الصعاب في الوقت الذي يشكو منه الكثير من الشباب والشابات من عدم وجود فرص وظيفية تساعدهم على تكوين حياتهم، متذمرين من مزاحمة الأجانب لطاقاتهم ومؤهلاتهم، مما أصابهم بالإحباط الشديد، ليغلقوا بذلك على أنفسهم باب فرج الخالق الكريم الذي لا ينسى عبده الساعي لطلب الرزق، نجد في الجانب الآخر مجموعة من الشباب والشابات لا يتوانون ولا يهدأون عن البحث والسعي، حتى يجدوا ما يكافحون من أجله، ليكونوا بذلك النموذج المثالي والذي لا "يتكل" على الفرص المتاحة من قبل ديوان العمل، والذي تكتظ أرففه بملفات طالبي العمل، مما يؤخر فرصة الحصول على وظيفة حكومية إلى وقت بعيد. ويصف بعض الشباب والشابات تجربتهم في البحث عن الوظائف بالمجهدة جدا، إلا أن إصرارهم وحماسهم وثقتهم بالله ذللت جميع العقبات والتحديات التي تعرضوا لها، مؤكدين بان باب الرزق مفتوح ولكن يحتاج للبحث عنه . حيث تذكر "أم إيثار"، والتي تحمل شهادة بكالوريوس في علم الرياضيات، أنها تفاجأت عندما أخبرت من قبل ديوان العمل بأنها يجب أن تنتظر إلى أن يتم توفير وظائف لمن تخرجوا قبلها، والبالغ عددهم ألف وخمسمائة خريجة على الأقل، مما أصابها بالإحباط الشديد لفترة ليست بالبسيطة، إلى أن قررت التوكل على الله ودراسة ومحاولة الحصول على دبلوم في التمريض، ليتحقق لها ذلك لتعمل بعد ذلك في احد المستشفيات الخاصة بمهنة ممرضة، دون أن تنسى حلمها في ولوج عالم التدريس والذي تؤكد انه سيتحقق يوما ما. وقالت: " زاد من صعوبة ظروفي وجود طفله تحتاج للرعاية، إلا أن إصراري للحصول على وظيفة في وقت قصير، وعدم انتظار الظروف أو الحظ أن صح التعبير، والذي ربما لا يبتسم لي إلى بعد سنوات طويلة جدا، جعلاني أنجح في الحصول على وظيفة تساعدني على الوقوف بجانب زوجي في تكاليف المعيشة". وتدعو أم إيثار صديقاتها وزميلاتها الآتي درسن معها إلى البحث عن فرص أخرى، حتى أن يتغير الحال ويتم طرح وظائف تعليمية تتيح لهم التقدم عليها. و قالت سعاد العلي، والتي تخرجت منذ سنوات بنفس التخصص، أنها عمدت إلى فتح منزلها للطالبات الراغبات في اخذ دروس في الرياضيات للتقوية، وذلك بمقابل مادي تصفه بالمتاح للجميع، إضافة لتطوعها في إحدى الجمعيات الخيرية بمحافظة القطيف للعمل كمدرسة متطوعة لشرح دروس التقوية للطالبات، إيمانا منها بان العمل التطوعي سيساهم ويعجل بفتح أبواب الرزق عليها. مفاهيم خاطئة هناك بعض المفاهيم الخاطئة عند البعض تفضي إلى حدوث "الاتكاليه" لدى الكثير، خصوصا عندما يتم تأويل بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث الشريفة بطريقة تجعلهم يتقاعسون عن العمل أو البحث والسعي بطلب الرزق. لذلك نجد بعض هؤلاء المتقاعسين يعتبرون مساعدات القريب أو الجار لهم، أو حتى مساعدات الدولة، واجبا يدخل ضمن الواجبات الدينية، بحكم أن الدين حث على التكافل الاجتماعي، علما أن التوكل على الله لا يلغي ضرورة السعي نحو الرزق بمختلف الأوجه المتاحة، وبالتالي فالتوكل على الله لا يعني بأي شكل من الأشكال "الاتكال" على الغير. خسائر الشركات يصف عبد الله الناصر الذي يعمل بأحد المصارف، بان التنصل من المسؤولية من قبل بعض الموظفين والمسؤلين واتكال بعضهم على الآخر، كفيل بتحقيق الفشل لأي قسم أو دائرة، بسبب اعتقاد البعض بان دوره الوظيفي لا يتجاوز قيامة بمهام قليلة فقط، دون الإحساس بمسؤولية الأمانة الوظيفة على عاقتهم. وقال الناصر: "تحدث الاتكالية في بعض الأحيان بسبب عدم الإحساس بالمسؤولية، أو انعدام التشجيع على الإبداع المهني، أو عندما ينعدم التحفيز على المبادرة، مما يجعل بعض الموظفين يتراجعون لدائرة الاتكالية ". يستقيل خشية الاتكالية رغم عمله رئيس قسم في إحدى كبرى شركات المنطقة الشرقية، إلا انه فضل الاستقالة من وظيفته ليعمل في الأعمال الحرة، والتي يصفها بالمحفزة على التعلم للوصول لحياة عملية وأسريه واجتماعية أفضل مما كان عليه، هذا ما ذكره المهندس ناصر النصر، والذي يعمل حاليا في التجارة الالكترونية منذ سنوات معدودة، بعد أن اكتشف بعض المميزات المغرية في هذا المجال الحديث نوعا ما. ويصف النصر ما يقوم به بالعمل الرائع، بسبب ما يحققه من تكافل اجتماعي كبير، خصوصا للشباب والشابات الباحثين عن فرص عمل تساعدهم على تكوين ذاتهم في فتره بسيطة، موضحا انه استطاع تحقيق ما لم يحققه في سنوات عديدة في وظيفته المرموقة في اقل من سنتين. ولا ينكر النصر بأن الاتكالية موجودة لدى شريحة كبيرة من المجتمع، خصوصا عندما يعتاد بعض الشباب على الحصول على ما يريدون دون عناء، ما يجعلهم لا يشعرون بالمسؤولية تجاه ما يمتلكونه، مستشهدا بقيام بعضهم بتخريب بعض الممتلكات العامة، والتي لم يشعروا بمدى العناء والتعب الذي قام به غيرهم بغرض إنشائها، محملا أولياء الأمور المسئولية بسبب عدم نصحهم لأبنائهم بترك الاتكالية على الغير، وتعزيز روح العمل والإبداع، الذي من شأنه إخراج جيل موهوب لديه من الثقة في النفس ما يجعله في المقدمة. وقال: "عندما قررت الاستقالة من وظيفتي تعرضت لضغط كبير من قبل الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل أيضا، الذين طالبوني بالعدول عن قراري، إلا أني تمسكت به لمعرفتي بقدراتي ولرغبتي الجادة في تكوين نفسي بنفسي، إضافة لعشقي مساعدة الآخرين الذين هم في أمس الحاجة لمن يقف في عونهم والنهوض بهم، بعد أن تعلمت الكثير من أسرار النجاح في التجارة، وخصوصا التجارة الإلكترونية". شباب لا يعرف اليأس رغم صغر سنة، إلا انه استطاع بإصرار منه وبمساعدة أهله على فتح محل تجاري خاص بزينة السيارات، وذلك بعد أن جرب العمل في أكثر من شركة لم يستطع الاستمرار معهم لأسباب مختلفة، يذكر منها ساعات العمل الكثيرة رغم الراتب الزهيد الذي يتقاضاه، مما جعله يفكر بشكل جاد بأن يتكل على نفسه، بتأسيس مشروع خاص به، بدل أن يبقى تحت رحمة الوظيفة التي تستنفد منه الكثير من الوقت والجهد بدون نتائج جيدة، هذا ما ذكره زكريا الحمود، والذي يقصده الكثير من الشباب وأصحاب السيارات للحصول على خدماته المختلفة، من تزيين وتظليل وتلميع إضافة لخدمات أخرى. ويذكر علي عبد الله، وهو احد زبائن الحمود، انه يطمئن بشكل كبير عندما يترك سيارته لديه، لثقته الكبيرة بنظافة عمله وإتقانه، خصوصا وان الكثير من شباب المحافظة يمتدحونه لدقته الشديدة ولتفانيه في العمل، والتي زادت من شعبيته في سوق زينة السيارات. من جانب آخر يعمل نبيل السيهاتي في تصليح السيارات من خلال ورشته الصغيرة، والتي أعدها بنفسه، ليؤكد عكس ما يعتقد البعض عن الشباب بأنهم غير منتجين، مجبراً الجميع على احترام رغبة الشباب في تطوير أنفسهم مهما كانت الظروف صعبة. ويذكر السيهاتي بأنه تعود على نظرة الاستغراب من بعض الأشخاص الذين يزورون ورشته للمرة الأولى، مضيفا بقوله"يتحدث الزبون مع عادة بلغة مكسرة، معتقدا بان العاملين في هذه الورشة جميعهم من العمالة الوافدة، لتتغير طريقتهم في الحديث بعد أن يعرفوا أن من يعمل بها هو من أبناء هذا الوطن، لأسمع بعدها عبارات الشكر منهم بعد أن انتهي من تصليح سياراتهم ما يجعلني افخر بعملي أكثر وأكثر".