لعل من المنطقي بالنسبة لأسعار النفط مع وجود العديد من البؤر الساخنة والمشتعلة في العالم وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص في العراقوسوريا وليبيا واليمن وسواها ونشاط داعش الإرهابي في المنطقة، وفي أوكرانيا بجوار الدب الروسي حيث تحيك الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الخطط لمعاقبة روسيا على معارضتها للسياسات الأمريكية في المنطقة العربية عمومًا وفي سوريا على وجه الخصوص مما قد يقود إلى الانجراف إلى حرب أمريكية أو أطلسية - روسية حتمًا ستكون نووية، ولعل من المنطقي أن يؤدي كل ذلك إلى ارتفاع في أسعار النفط لا إلى انخفاضها، إذ أن الاستقرار السياسي ضروري جدًا للاقتصاد. ما يجري حالياً من انخفاض في أسعار النفط يدخل في سياق التدرج في إحكام القبضة الأمريكية -التي لا تزال تفكر بعقلية القوة العظمى الوحيدة على الساحة العالمية- على عنق روسيا بالعقوبات الاقتصادية، كما أنه بمثابة خطوة أقرب في طريق أمريكا نحو الحرب المشار إليها أعلاه، بهدف المحافظة على عملتها "الدولار" كعملة إستراتيجية وحيدة في مبيعات النفط والغاز (البترودولار). حتى ضمن المحور المناوئ للسياسات الأمريكية في العالم (روسيا - الصين - إيران) فثمة رابحون وخاسرون، فأما الصين فتستطيع حاليًا شراء كل ما تشتهي من النفط بمعدل 50% مما كان عليه من أشهر معدودة، وذلك دون ريب منعش لاقتصادها وتتمنى استمراريته، أما روسيا المستهدف الأول من حرب الأسعار هذه، والتي تشكل مبيعات النفط والغاز فيها 50% من دخلها الوطني، وكذلك إيران ذات مخططات الهيمنة الإقليمية، فمضطرون للبيع بأسعار متدنية، فاقتصادهما في خطر. وليست الولاياتالمتحدة ذاتها في مأمن من تداعيات هذه الحرب الاقتصادية، فمخاطرها عليها كبيرة منها أنها قد تحدث انهيارًا ماليًا أمريكيًا كارثيًا قد تتداعى له انهيارات متتابعة كالانهيار الثلجي للعديد من العملات المرتبطة بالدولار، وهو حدث سيغير الخارطة النقدية في العالم، وستذوب معه بعض العملات وتختفي، ذوبان الملح في الماء، ونضرب على ذلك مثلاً، فشركات توليد الطاقة الكهربائية بالولاياتالمتحدة وسواها معرضة لخسائر مالية كبرى بسبب امتناع البنوك في الوقت الراهن عن إقراضها خوفًا من انعدام القدرة على السداد، وقد تسبب تصريح للوكالة العالمية للطاقة يوم الجمعة قبل الماضي بتوقعاتها بانخفاض الطلب على الطاقة في عام 2015م فتدهورت الأسواق المالية العالمية بما فيها أسواق الخليج العربي، وطبقًا لموقع Bloomberg المشهور عالميًا والمعني بشؤون الأعمال وأخبارها والأسهم وتوجهاتها... إلخ بأن تريليون دولار قد انمحت من ثروة سكان الكوكب وللأبد خلال أسبوع إثر إعلان الوكالة المشار إليه أعلاه. بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية كونها منتج البترول الأكبر عالميًا، وكونها لا تخفي امتعاضها من التدخل الإيراني الروسي وإلى حد ما الصيني ضد أهل السنة بالعراقوسوريا معنية بهذا الصراع، وبالتالي فإن ميزانية المملكة لهذا العام ستتأثر من العجز النسبي، غير أنها تنوي جبر هذا العجز من الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة -كما صرح بذلك معالي وزير المالية-. والظاهر والله أعلم أن هذا العام الميلادي المقبل 2015 الذي سيدخل بعد أقل من أسبوعين من الآن سيكون عامًا للمتغيرات الجذرية على مستوى العالم بأسره، وقد يتأثر بتلك المتغيرات جميع دول وشعوب العالم، فاللهم سلم سلم.