تراقب منظمة أوبك والدول المنتجة عن كثب أسعار الخام إثر أحدث هبوط لها، اليوم الثلاثاء، حيث شهد سوق النفط اليوم تراجعاً لسعر برميل نفط برنت إلى ما دون 60 دولاراً، للمرة الأولى منذ خمس سنوات في ظل وجود مخاوف بالأسواق من ضعف الاقتصاد العالمي وتراجع الطلب على النفط. وبلغ سعر برميل نفط برنت مرجعية بحر الشمال تسليم يناير 59.85 دولاراً في سوق لندن المالية بتراجع 1.21 دولار مقارنة مع سعر الإغلاق اليوم، وبعدها تراجع إلى 59.63 دولاراً، وهو أدنى مستوى له منذ يوليو 2009م.
وتناول موقع "كريستيان ساينس مونيتور" في تقرير له مدى التغير الذي طرأ على العالم من انخفاض أسعار النفط، ابتداءً من تراجع أسعار البنزين في الولاياتالمتحدة من 3.73 دولار للجالون في يونيو الماضي إلى مستوى 2.54 دولار للجالون أمس ومروراً بتأثير ذلك على دول كبرى منتجة للطاقة مثل روسيا والسعودية وأخرى مستهلكة كالولاياتالمتحدة والصين وانتهاءً بأموال المواطنين.
النفط والجيوسياسية وأثر انخفاض أسعار النفط على الأحداث الجيوسياسية بالشرق الأوسط، والتجانس داخل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والعديد من الوظائف في عمليات الحفر والاستكشاف في "داكوتا الشمالية" وحتى تكاليف تذاكر الطيران خلال العطلات، ولا عجب في ذلك، فهو يعكس بزوغ فجر حقبة الوقود الأحفوري.
توقعات ببقاء الأسعار بين 60 إلى 50 دولاراً وفي الوقت الحالي، بدأت تطرأ العديد من التغيرات بعد انخفاض أسعار النفط، فقد خفضت الدول المستهلكة حجم إنفاقها على واردات الخام، وتسارع استخدام بدائل الوقود التقليدي لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وكل هذه الإجراءات تزيد من الشعور بوضوح أن هناك فصلاً جديداً يتم تسطيره بتاريخ أسواق النفط، وسط عزوف "أوبك" عن التدخل لكبح الإنتاج من أجل دعم الأسعار مع توقعات بأن النفط سوف يحوم حول النطاق من 60 إلى 50 دولاراً للبرميل لعدة أشهر أو لعام وربما لعقد من الزمن.
وفرة المعروض وطفرة النفط الصخري بأمريكا وأكثر ما يؤرق أسواق النفط هو وفرة المعروض مع التوسع في الإنتاج عند مستويات أكثر عمقاً بالمحيطات، وطفرة النفط الصخري بالولاياتالمتحدة والتي تجعلها منافساً مستقبلياً في التصدير بالإضافة إلى تزايد معدل الإنتاج من دول مثل كندا والبرازيل والعراق وكينيا وأوغندا.
وتراجع استهلاك دول أوروبية بفعل تحسين كفاءة مركباتها لتكون أقل استهلاكاً للوقود، ولا سيما تحديث تقنيات السيارات الصديقة للبيئة.
5 مليارات دولار معدل توفير شركات الطيران في 2015 ومن أكثر القطاعات التي تأثرت بانخفاض أسعار النفط هي شركات الطيران التي تنفق 30% من ميزانياتها على الوقود، وإذا ظلت الأسعار على انخفاضها.
ومن المتوقع أن توفر هذه الشركات 5 مليارات دولار في 2015، وفقاً لمحللي بنك "جي بي مورجان"، وإذا لم تحقق ربحية، فسوف تشهد عمليات تسريح للعمالة، كما يتوقع المستهلكون انخفاض أسعار الرحلات الجوية.
انتعاش حركة مبيعات السيارات من ناحية أخرى، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاض تكاليف وقود التدفئة بنسبة 15% خلال الشتاء الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، لتوفر كل أسرة مدخرات بحوالي 362 دولاراً في المتوسط.
ويدعم انخفاض النفط إنفاق المستهلكين خلال موسم العطلات، وانتعاش حركة المبيعات في قطاعات عدة كالسيارات، وتعزيز أرباح الأعمال والأنشطة التجارية المختلفة كالمطاعم.
ويتسبب استمرار هبوط أسعار النفط في وضع التضخم قيد المراقبة مما يقلل من الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي للبدء في رفع معدل الفائدة خوفاً من وقوع الاقتصاد تحت وطأة الانكماش والركود.
ولهذا الانخفاض عواقب سلبية على ولايات أمريكية غنية بالنفط مثل "داكوتا الشمالية" و"تكساس" و"ألاسكا"، وهو ما يعني تقليل الوظائف وانخفاض إيرادات الضرائب وتراجع النشاط الاقتصادي، كما لوحظ تتبع أسواق الأسهم لحركة النفط بفعل شركات قطاع الطاقة.
وطالما كان للنفط أبعاد سياسية، وهيمنة لبعض الدول على الأسواق العالمية لقوة إنتاجها، مع تعرض البعض الآخر لأزمة تمويل طاحنة لاعتماد موازناتها على إيرادات النفط مثل ليبيا ونيجيريا وفنزويلا والإكواداور وإيران، وحتى الولاياتالمتحدة التي توقعت إيرادات كبيرة من النفط الصخري.
أما روسيا، فلم تكن بمنأى عن هذه الأحداث، فقد عانت من انخفاض أسعار النفط، ولاسيما بعد تزايد العقوبات التي فرضتها أمريكا وأوروبا على موسكو لتدخلها في الشأن الأوكراني، مما تسبب في انهيار واسع النطاق للعملة الروسية "روبل" ليكلف اقتصادها خسائر سنوية تتراوح بين 130 و140 مليار دولار، مما أثار احتمالية تعثر البلاد في الوفاء بالتزاماتها المالية.
وزير نفط سعودي سابق توقع الانخفاض منذ سنوات ورغم طفرة النفط الصخري بالولاياتالمتحدة، إلا أن الكثير من الخبراء يتوقعون تراجع تأثيرها بسبب انخفاض أسعار النفط نتيجة عدم خفض "أوبك" للإنتاج، ولكن سيكون ذلك إيجابياً لدول أخرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع توقعات بانخفاض الطلب مما يعجل بنهاية عصر النفط حتى في ظل وفرته، وذلك في سيناريو توقعه وزير النفط السعودي السابق الشيخ "زكي اليماني" منذ سنوات.