قد يبدو للوهلة الأولى أن البترول وحرب أسعار العملات موضوعان لا رابط بينهما. ولكن ذلك كله من النظرة الأولى. أما في الواقع فإن الترابط بين الموضوعين كبير جدا وذلك لسببين على الأقل: فمثلما نعلم فإن البترول ومنذ سبعينيات القرن المنصرم أصبح لا يباع إلا بالدولار. ومن وقتها ظهر مصطلح البترودولار ليعكس الترابط بين المباع والمبيع به. ولكن هذا الدولار- محبوب العالم- ما عاد منذ الأزمة المالية عام 2008، مثلما كان في السابق، عملة الاحتياط الوحيدة في العالم. بالفعل فنحن نعيش الآن في عالم اقتصادي مختلف كثيراً عن ذلك الذي كان فيه الدولار عملة مسيطرة لا تنازعه أية عملة أخرى في العالم. فمنذ عقد السبعينيات من القرن المنصرم وحتى الآن جرت مياه كثيرة كما يقول المثل. فالحرب الباردة قد انتهت. ومع انتهائها أصبح العالم منقسماً اقتصادياً وليس أيديولوجياً. فأوروبا التي كانت تحتمي بالولاياتالمتحدة من الاتحاد السوفيتي وتتنازل لها من أجل ذلك عن أمور عديدة قد أصبح همها اقتصادها وسوقها بعد أن زال خطر الصواريخ التي كانت موجهة إليها. ولذلك أصدرت اليورو ليناطح الدولار ويقلل من تبعية القارة العجوز لما وراء الأطلسي. كذلك الصين مع انتهاء الحرب الباردة وإعادة انقسام العالم إلى أقطاب اقتصادية بدلاً من أقطاب أيديولوجية أصبحت مهتمة بعملة الشعب"اليوان" أكثر من اهتمامها بالترويج لأفكار ماوتسي تونج. وهذا هو حال روسيا التي أصبح محور اهتمامها تعزيز مكانة عملتها الروبل وتغطيته بالسلع والخدمات التي تمكنه من الاصطفاف مع بقية العملات الصعبة وتحويل عاصمتها موسكو إلى واحدة من مراكز المال العالمية. إذاً فإن البلدان المنتجة للنفط وعلى رأسها بلداننا الخليجية قد أصبحت، والحالة تلك، أمام العديد من المصاعب التي تحتاج إلى حل. فهي رغم أنها قد أنتجت خلال الخمسين عاماً الماضية 400 بليون برميل من النفط فإنها لم تتمكن حتى الآن من بناء اقتصاد متعدد المزايا النسبية. ولذا فهي لا تزال حتى الآن تعتمد على عائدات النفط المقيمة بالدولار في الوقت الذي ما عاد فيه بلد الدولار القوة الاقتصادية الوحيدة في العالم. وهذا يعني، من ضمن ما يعني، أن العملة الخضراء، خلال العشرة أعوام القادمة، سوف تفقد المزيد من المكاسب التي حصلت عليها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأمس القريب. وحرب أسعار صرف العملات، التي نسمع ضجيج مدافعها، ما هي إلا قمة جبل الجليد الطافية- أو بالأصح النزع الأخير للولايات المتحدة لمقاومة أفول سيطرتها الاقتصادية على العالم. إنه من غير الممكن أن يبقى الدولار عملة الاحتياط الرئيسية في العالم في الوقت الذي تفقد فيه الولاياتالمتحدة مواقعها الاقتصادية أمام منافسيها. فإذا صحت هذه الفرضية فإن البلدان المصدرة للنفط عليها أن تبدأ من الآن، قبل أن ينخفض سعر صرف الدولار إلى مستويات أكثر، التفكير في التحول التدريجي عن العملة الخضراء نحو سلة من العملات. فالدولار في طريقه للانحدار التدريجي عن موقعه في قمة هرم النظام المالي العالمي. مثله مثل صاحبته التي يزيحها منافسوها الاقتصاديون تدريجياً عن مواقعها المتقدمة في هرم النظام الاقتصادي العالمي.