الزنا من أقدم الفواحش التي أوجبت كل الشرائع الإلهية، بل والبشرية محاربتها وأوجبت عليها أشد العقوبات، ومنها الرجم، الذي أقره اليونان قديمًا، وشرعته الديانتان التي قبل الإسلام ففي الكتاب المقدس الذي تجمع أسفار عهده القديم أهل الديانتين السابقتين فقد جاء في سفر التثنية عدد 22 (إذا وجد رجل مضطجعًا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة)، وفي عدد 23 (إذا كانت فتاة مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فأخرجوهما كليهما إلى باب المدينة وأرجموهما بالحجارة حتى يموتا)، وقد نقلت هذا من الكتاب المقدس عند المسيحيين. فالزنا بعد توافر الوسيلة لإشباع الغريزة الجنسية بالزواج، ثم يترك الإنسان المباح إلى ما حرمه الله ونفرت منه الطباع السليمة فالعقوبة ولا شك تكون أشد عند كل العقلاء. والاسلام تدرج في العقوبة، فأمر بإيذاء الزانيين حتى يتوبا فقال الله تعالى: (وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا)، ثم أمر بحبس الزانيات حتى يتوفاهن الموت فقال الله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)، ثم جاء تحريم التزوج من الزاني والزانية للحد من هذه الجريمة الموغلة في الفحش فقال ربنا عز وجل: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، ثم جعل الله للزواني من النساء سبيلًا بأن شرع حد الزنا لغير المحصن الوارد في قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)، ففرض الله حد الزنا في هذه الآية، جلد مائة فعم المحصن وغيره، وخصصته السنة بغير المحصن من النساء والرجال، وأما المحصن منهما وهو من تزوج بعقد صحيح ووقع الدخول فحده الرجم بالحجارة حتى يموت، وكان هذا سنة متواترة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فرجم ماعز بن مالك والغامدية، ثم رَجَم بعده الخلفاء الراشدون، ثم رَجم من جاء بعدهم من حكام المسلمين وعلماؤهم متوافرون، ثم نقل الاجماع عليه في صدر الاسلام وقد روى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الرجم كان في القرآن: (الثيب بالثيب إذا زنيا فأرجموهما البتة) وفي رواية (الشيخ والشيخة..)، وفي أحكام ابن الفرس في سورة النساء: (وقد أنكر هذا قوم) وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: ولم أرَ عين من أنكروا، وذكر في سورة النور أن الخوارج بأجمعهم يرون في هذه الآية -أي آية النور على عمومها في المحصن وغيره- ولا يرون الرجم ويقولون: ليس في كتاب الله الرجم فلا رجم، وأقول: وحدهم الخوارج من بين اهل القبلة، فالشيعة الاثنى عشرية يقرون الرجم ورد ذلك في كتبهم الكافي ووسائل الشيعة، ونعرف ان ايران الثورة طبقت هذا الحد على اختلاف في طرائق الثبوت، ثم جاء من يسمون أنفسهم قرآنيين والذين حذر منهم سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عند ابو رافع رضي الله عنه أنه قال (لا يأتين أحدكم حديثي وهو متكئ على أريكته شبعان يقول حسبنا ما وجدنا في كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالًا حللناه وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه إنما حرم رسول الله ما حرمه الله)، فرسول الله صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) وقوله وفعله وإقراره شرع يجب أن يتبع، أجمع على ذلك المسلمون في لدن زمن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم وحتى يومنا هذا وفسر علماء الأمة بأن الحكمة في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) هي السنة وللعلوم الدينية علوم القرآن وعلوم الحديث وعلم الأحكام الشرعية وغيرها علوم مستقلة لها مناهجها المتفق عليها، وعقلًا لا يخوض فيها من لم يتعلمها حتى يتقنها ويتخرج فيها إما في كلياتها ومعاهدها، أو يتخرج على يد أحد علمائها، ولابد وأن يتخصص في علم أو علمين منها ليستوعبها، أما أن يدعي كل أحد أن من حقه الخوض فيها ولم يؤسس نفسه بمعرفة لها فلا.. فنحن لا نقبل من أحد أن يخوض في علم الطب ولو قرأ كل كتبها ما لم يتخرج في كلية الطب ويحصل على التخصص اللازم لممارسة المهنة. واليوم تتعرض أحكام الإسلام ممن يجهل علومها اتباعًا للهوى وتطلعًا للتمتع بالشهوات إلى الهجوم عليها وقد حذرنا سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك حيث تنقض عرى الإسلام عروة عروة، لا حقق الله لأهل الهوى ذلك. والرجم فيما تتبعنا من الحالات التي رجم فيها الزناة في عهده وبعده إذا كانوا محصنين لا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات بأنه زنى وعلى القاضي أن يرده عله يرجع عن إقراره كما فعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يصرف وجهه عنهم ويطلب منهم التوبة والاستغفار، فما جاء الإسلام ليعاقب الناس فقط وإنما يهديهم إلى الفضائل، فقد جاء في الحديث الصحيح: (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وقوله: (ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم)، وفي الواقع لا نجد الرجم يطبق الا قليلًا نادرًا، لصعوبة إثبات جريمة الزنا بالشهادة، ومن عرف كيف تكون هذه الشهادة يعلم أنها تكاد أن تكون مستحيلة. والسنة النبوية تثبت الأحكام كالقرآن، وأكثر أحكام العبادات إنما ثبتت بالسنة في الصلاة والزكاة والصيام والحج، بل في المعاملات، وكذا قبل ذلك كله العقائد، والسنة تستقل بأحكام لم ترد في القرآن، فحكم تحريم الزواج بخالة الزوجة وعمتها وجمعها معها في عصمة زوج إنما ثبت بالسنة، والقول بنسخ حكم الرجم هو جهل تام فلم يثبت ذلك، ولو ثبت وعرف التاريخ حقيقة لما بقي بعد اكتمال نزول القرآن ووفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن المسلمون كلهم ما عدا الخوارج طبقوا هذا الحكم حتى يوم الناس هذا فمن أين أتى هذا النسخ إلا إن كان عبر جهل بأحكام النسخ كلها، وما لنا إلا أن نقول اللهم اهد قومنا فإنهم لا يعلمون. [email protected]