ما أحوجنا اليوم في عالمنا العربي إلى إعادة أنسنة أنفسنا من جديد، وإعادة بريق الرحمة في كوامن أعيننا، وتمتين نطاقات العطف ومكامن الإحساس في قلوبنا، وصولاً إلى إعادة تعزيز حق الإنسان، أيًّا كان دينه ومذهبه، في أن يعيش حياة كريمة، ويتمتع بكامل حقوقه المفروضة، لكونه إنسانًا كرَّمه الله بالخلق ابتداءً، وإيمانًا بوجوب تحقيق العدل الذي حضَّ عليه الله في كتابه الكريم. لقد شوّه الإرهابيون فعلاً وسلوكًا، ومن يُواليهم من المتطرفين قولاً ورأيًا، كلَّ جميل في حياتنا، وزرعوا الرعب الخفيَّ في ذواتنا، حتى بات عديد منا يستأنس أفعالهم خوفًا ورهبة، وأخذ يستلين لها تحت طائلة سخيفة من المبررات والحجج الواهية، ليُبرر لنفسه ما يراه من وحشية، ويحافظ بجهل على ما بقيَ من آدمية مدفونة في كوامن جسده. حين يتبجح أحدهم بنشره صورًا لجثث ضحايا تفجيرٍ آثم، قام به أحد الإرهابيين الخوارج، مات على إثره العشرات من المدنيين الأبرياء أطفالاً ورجالاً، ويكتب مُعلقا في إحدى تغريداته "كم هو جميل أن يرى شخص منظرًا في غاية الروعة فيساهم في نشره ليتمتع الغير بمشاهدة هذا المنظر"، وفي أخرى "متعوا أنظاركم بهذا المشهد الذي يشفي الصدور ويروي الغليل، والقادم -بإذن الله- أقوى وأنكى، الدم الدم، والهدم الهدم". أليس هذا توحشًا بشريًّا؟ ثم ألا يُعدُّ التغاضي عنه من جمهرة المتابعين من قبيل الاستئناس الذي أشرت إليه سَلفًا؟ وليت الأمر يبقى عند حدود ذلك، بل بات مُتعدٍّ لأطفالنا الذين توحشت أخلاقهم، وصار العنف مسيطرًا على كثير من مناحي حياتهم، وما قيام طفلة بذبح دميتها، كما تداولته الأخبار، إلاّ إشارة إلى عمق الأزمة التي باتت في نفوسنا وسلوك مجتمعاتنا. أمام هذا الوضع أليس واجبًا علينا القيام بترميم عاجل لبقايا إنسانيتنا المهدرة؟ في تصوّري أن ذلك من أوجب الواجبات لمن في قلبه وعقله بذرة محبة صادقة لوطنه وأهله وثنايا مجتمعه. وبالتالي فما أحوجنا اليومَ ابتداءً لتنحية كل مظاهر الحاكمية في مسائل الخلاف الديني والمذهبي بين الناس، تلك التي باسمها سفكت الدماء، وذبح الأبرياء ظلمًا وبهتانًا. لنعلم أن الحاكمية لله وحده، مصداقا لقوله تعالى (فلذلك فادعُ واستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأُمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير)، وقوله: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون). فهل من محب صادق؟! [email protected]