إذا كان الأديب عبدالكريم الجهيمان قد مثل المرجعية الأشهر في حفظ وتدوين أدب الموروث الشعبي في ذاكرتنا الوطنية بوجه عام، فأحسب أن الدكتورة لمياء باعشن قد حازت اليوم قصب السبق في حفظ وتدوين جانب من الموروث الحجازي الشعبي، بإصدارها سداسية حكايات «التبات والنبات» الورقية، وثلاثية قصص»التبات والنبات» للأطفال برسوماتها الرائعة وتسجيلها الصوتي الجميل، علاوة على إصدارها الفني لعدد من الأهازيج الفلكلورية باسم «دوها» و»يا قمرنا يا مليح». وقيمة ما تجشمت بتدوينه وإخراجه أديبتنا الناقدة باعشن، كامن في طبيعة كينونته التي باتت غريبة على أذهان وأسماع أبنائنا اليوم، لاسيما وأن الفجوة بين ما كان، وما نحن عليه، قد توسعت أبعادها بشكل متسارع ومخيف، وصار الفارق الزمني عميقا بيننا وبين أجيالنا اللاحقة. فلا نحن حافظنا على هوية بيتنا الكبير الذي نشأنا على أطلاله في صغرنا، ولم نهتم كثيرا بتوثيق عرى الروابط بين مَن بعدنا بمن قبلنا، والأخطر أن جزءًا كبيرًا منا، قد استأنس هدم ذلك البنيان، انطلاقا من مفاهيم دينية خاطئة، كان لها الدور في تفتيت وتلاشي ما تبقى من ملامح تلك الروح الأخوية الجميلة، ليسعى البعض منا إلى المحافظة على شيء مما تبقى من رسم تلك الأطلال «بالهمس باللمس بالآهات بالنظرات باللفتات بالصمت الرهيب». في هذا الجو القاتم الذي لفحنا بلهيب غربته، وصرنا نمشي في أزقة وأروقة حياتنا تائهين وقد تقطعت جسور ذاكرتنا لأسباب متنوعة، يبرز هذا العمل البسيط في مبناه، العميق في جوهره ودلالاته، إذ به سنُنعش ما تبقى من فيض ذاكرتنا الزائلة وسط صخب الحياة، وبه سنُعيد ربط جانب من الحبل السري للحياة مع أبنائنا، الذين باتوا يعيشون غربة أعظم من غربتنا، ولذلك كان حرص أديبتنا على أن تُدوِّن وتُعيدَ نشر ذلك الموروث الشعبي بلهجته الأصيلة، ليلجأ أبناؤنا إلى آبائهم وأجدادهم وأقربائهم، لاستيضاح ما نكرته أسماعهم من لفظ وعبارة، وهو ما يعزز من ثمرة التواصل الثقافي المنشود بين مختلف الأجيال، إذ وبتعبير أديبتنا د. لمياء فإن الكلمة الواحدة مفتاح لكنز من المعاني والمواقف الاجتماعية والذكريات الحميمة. تبقى الإشارة إلى أن أكثر ما لفت نظري في سداسيتها «التبات والنبات»، أن تعداد ما نشرته الدكتورة باعشن من حكايات شعبية قد بلغ المائة وواحد، وتذكرتُ لوهلتها حكاية ألف ليلة وليلة، متأملا جمالية التماس بين الواحد هنا، والليلة هناك، ذلك الواحد الذي يفتح لمائة حكاية أخرى، كما فتحت حكاية ليلة شهرزاد لألف ليلة أخرى، شكرًا د. لمياء. [email protected]