شعيرة الحج رمز توحيد المسلمين الخالص لله رب العالمين، يتوافدون إليه شعثاً غبراً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق منذ أن أذن له إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا محمد أفضل صلاة وأزكى تسليم، فيه الوقوف بصعيد عرفات وفيه رمزية تجديد الاستسلام المطلق لله رب العالمين بتقديم الأضاحي كما أنزل الله من السماء كبشاً فدية لإسماعيل الذبيح عليه السلام، وفيه يوم الله الأكبر عيد الأضحى المبارك، وتمضي الأمة فيه على خطى رسولها الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم من الحرص على أمن وسلامة الحج وتوفير كافة احتياجات الحجاج وتيسير أمورهم فاتخذ عليه الصلاة والسلام ومنذ أن فرض الحج على المسلمين في العام التاسع الهجري اتخذ للحج أميراً، ولم يزل تنظيم الحج والعناية بكل شؤونه منذ عهد النبوة المعصومة ومروراً بالخلافة الراشدة ديدن ومفخرة الخلفاء والملوك والسلاطين المسلمين إلى أن وصلت الأمانة في عصرنا الحديث إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وحكومة المملكة، والتي لا تألو جهداً في تسهيل النسك لكل حاج ومعتمر. ويأتي موسم هذا الحج في ظل توسع الهاجس العالمي لانتشار فيروس الإيبولا شديد الخطورة الذي قتل حتى الآن زهاء 1,200 شخص في عدد من دول غرب إفريقيا عدد كبير منهم من العاملين في تقديم الرعاية الطبية، كما جاء موسم الحج من قبل سنوات معدودة في إطار زمني توافق مع انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير وتوجس الناس منه شراً مستطيراً ولاك المشككون الكلام عن الحج والأوبئة ألواناً، لكن الله تعالت حكمته أخزى المتقولين وسلم موسم الحج ذاك العام (1430ه) من ذلك الوباء وحمى بيته العظيم من وباء كارثي. فيروس إيبولا والذي يهدد التجمعات البشرية الكبرى كمثل تجمع الحج فقد سبقه عدد من الفيروسات منها فيروس أنفلونزا الطيور السارس وأنفلونزا الخنازير، لكن فيروس الإيبولا هو الأخطر حتى الآن فنسبة الوفيات للمصابين تبلغ 90% بسبب النزيف الداخلي والخارجي للجسم البشري الذي يتسبب فيه الفيروس، كما أن نسبة الوفيات بين العاملين في المجال الصحي المتعاملين مع الإصابات كبيرة رغم كل الاحتياطات الطبية. وصحيح أن المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الصحة لديها خبرة تراكمية لا يستهان بها في مكافحة الأوبئة بل قد تكون خبرات فريدة تكونت على مر الحجج على مر العقود المتتاليات، إلا أن تحدي فيروس الإيبولا هو الأكبر حتى الآن، وهذا يستوجب إجراءات وقائية استثنائية منها عدم دخول الحاج لاسيما القادم من البلاد التي ينتشر فيها أو بجوارها الفيروس شهادة خلو من الفيروس بفحوصات طبية تجريها مراكز مرخصة في بلد الحاج وبإشراف صحي سعودي، وخطة طوارئ تشتمل من بين ما تشتمل عليه مراكز للعزل الصحي بالقرب من مشاعر الحج للحجر الطبي بالسرعة المناسبة. ليبقى بيت الله ومشاعر الحج أبداً صادحاً بكلمات التوحيد وليبقى الحرمان والمشاعر مهوى لأفئدة المؤمنين إلى يوم الدين، وليديم الله بحسن النوايا ومصداقية التنفيذ شرف خدمة الحرمين الشريفين على هذه البلاد حكومة وشعباً، ولله عاقبة الأمور.