عندما تُبهر جهابذة فنٍ ما، أو علم ما، وأنت لم تغادر دائرتك فأنت عالمي بما أبدعت، هذا ما حصل عليه الشاعر الكبير حسين سرحان، أحد أبرز الأدباء في الجزيرة العربية، فقد وجدتُ قصيدة منشورة له في مجلة الكاتب التي كان يرأس تحريرها -آنذاك- عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.. تلك القصيدة التي امتلأت شعرًا وفاضت، امتلأت لغةً وجزالةً ورصانةً وصورًا وأخيلةً، والقصيدة نشرت في المجلد الثاني العدد الخامس ربيع الأول عام 1365ه الموافق فبراير عام 1946م بعنوان المشيب والتي نُشرت فيما بعد بديوانه (أجنحة بلا ريش) يقول فيها: يا لارْتِياع ابنتي لما رأت شَعَري في الرأس يُومض مثل المَرْوِ في المطر قالت: مشيب؟ وكم في الشيب من عبر إن لاح في كِبَرٍ أو جاء في صِغَر أشابَ فَوْدَيّ والعِلْباءَ خوضهما في واضح من أذى الدنيا ومُستتر رَيْبُ الزمان يشيب المرء وهو فتى ولا يَجير له جارًا على الكِبَر وكم رفيق أتى بعدي فعاجله فَرْطُ الأذى فمضى يَسْتَنُّ في أثري شيبًا وكربًا امضّا كل مُصطبر على بُعَاعِهِما أو غير مصطبر وأي أمرٍ من الدُّنيا نحاوله؟ وقد أزيِلت دَواعي الهمَّ والوَطر كم تستمرّ على شيء مَرِيرتُنا هينًا فنأنس بعض الصفو من كدر حتى إذا امتَدَّت الأيدي تَقَاذَفَها مَسٌّ من الداء أو حَزْبٌ من الغِيَر ورب امْنيَّة في نفس صاحبها عذراء تنفض عِطف الحسن والخفر ماتت كمّوْءودَة في كفّ قاتلها يَتُلُّها لجبيني ناعم نَقِر ما نأكل الزاد أعلاثا لِمَسْغَبَةٍ لكن تركناه ترك الصائف الحذر لا تحسبي أنني جانبت ذا خطر وأي شيء من الأشياء ذو خطر؟ قد استوى الكل مهما كان مختلفًا إذا تناولته بالذهن والنظر فان تلومي! فحظي حظ مرتحل نزر المقام، وقد اعجِلْتُ في سفري منصور إبراهيم الحارثي - الطائف