ننبش الأخطاء، ننتقد الآخر أمام الآخرين، نطلق التهديد، ننكأ الجراح، دون تفكير بالجرح الذي نحدثه في الكرامة!! بينما لو تمهّلنا دقيقة وفكّرنا ونطقنا بكلمة رقيقة ومنحنا أنفسنا فرصة تفهّم موقف الآخر لما أحدثنا نزفًا في أعماقه، ولما بطشنا بكرامته وإحساسه ومشاعره. إنّ الأمراض النفسية الناجمة عن حرج يشعر به المرء، أو إهانة لم تكن بالحسبان، أو تحقير لذاته، وإراقة ماء وجهه هي من الأمراض الأكثر انتشارًا، والأسوأ أثرًا في النفس، لأن النفس حينما تجرح تتعقّد وتصاب بمتاعب نفسية قد تنقلب إلى وساوس وهواجس. لقد استرعى اهتمامي وانتباهي يومًا رجل كان يقوم ببعض العروض الترفيهيّة والتمثيلية -في إحدى الدول الأوربية- ومعه كلب، يقوم الرجل بتدريبه، وكان دومًا يربت على رأسه ويمتدحه ويقدّم له قطعة من اللحم مكافأة له، حتى إن لم يحرز تقدّمًا في تقديم العرض، وقد تساءلت كثيرًا: لماذا لا نتصرّف بالطريقة نفسها في محاولة تغيير الناس؟! لماذا لا نستعمل معهم المكافأة بدل العقوبة؟ لماذا لا نستعمل الإطراء على أقلّ تقدّم محرز في تحفيز الشخص الآخر ودفعه نحو الإصرار والاستمرار في التقدّم؟! فكم من كلمة إطراء أشعلت هممًا.. وكم من كلمة لوم حطّمت أممًا؟! إن الكلمة الطيبة ذات مفعول وتأثير عظيمين يفوق كل تصوّر، إذ يمكنها أن تستخرج من الإنسان أجمل ما فيه، كما يمكنها أن تنبت فيه المزيد من القدرات التي ما كان يتصوّر أنها تكون له، بينما تقتل الكلمة السيئة (من لوم وإهانة وتجريح، وانتقاد) أجمل ما في الإنسان، وتجعله بعيدًا عن اكتشاف قدراته.. بل تتسبّب في إفشال محاولاته، وإحباط أي فرصة لاستثمار قدراته، إن لم يقتلها ويقضي عليها للأبد. كثير منّا يعتقد أن القرع بالعصا يُغيّر.. على الأسوأ، وربّما حرّك اللوم والانتقاد نفوسًا.. لكن تحرّكها بتلك السبل قلّما يكون للعلياء.!! إن الكلمة الطيّبة تسهم في جعل الآخرين يكتشفون كنوزهم الخبيئة في نفوسهم التي لم تستغل ولم تكتشف بعد، كذلك أنت.. أيها اللائم، المنتقد، المتذمّر تمتلك طاقات لم تستغلها بعد، ولم تحسن استثمارها، تلك الطاقات هي قدرتك على امتداح الناس وفتح عيونهم على ما يملكون من قدرات ما تزال هاجعة كامنة، غيّر لغتك مع الآخرين.. ستُغيّرهم، امتدحهم.. ستحصل على تقدّم تلو تقدّم، كن سخيًا في تقويمك، كريمًا في إطرائك.. واجعل الكلمة الطيّبة سبيلك، وحفظ ماء وجه الآخر غايتك وهدفك، بذا يتغيّر الناس ويسلم شعورهم من الأذى، وبغيره يتأذّى الشعور.. ويتكدّر الخاطر، ولا يتحقّق التقدّم. إن للكلمة الطيبة قدرة عظيمة في التغيير والتأثير كذلك الكلمة الخبيثة، لكن الأولى تصنع تغييرًا للأفضل بينما تجرّ الثانية الإنسان نحو المهالك وتعوق كل خير وقدرة على الصلاح وتضعف العزم وتقتل الإرادة وتحث على تجاوز كل الخطوط الحمراء. إن كان هناك مشكلة في حياتنا فعلينا أن نبحث عن أسبابها في كلماتنا، عندئذ سنجد الحل ومفتاح الأبواب الموصدة. [email protected]