معاناة نساء بلادي في التنقُّل والمواصلات اقتطفتها لكم من عملي (من بنكي، ومن مدرستي، ومن مشفاي).. ففي صباح رمادي وَقَفَت إحدى موظفاتنا أمام بوابة عملها حاملة حقيبتها، تنتظر "سائق المشوار" يقلّها من العمل، وسائق المشوار في بلادي خدمة يُحاسب السائق عليها بالمشوار، فيرتزق منها البعض لتنمية موارده. كانت موظفتنا مكتئبة ومتوترة ومختنقة في صيفنا الحارق، عشر رئات لا تكفيها لتتنفس.. تقدّمت نحوي وسألتني: إلى متى هذه البهدلة؟ استفسرت عن غضبها، فأجابت بحنجرة الماضي والحاضر: أنتظر السائق، وكل حلمي أن أصل إلى عملي، وأعود إليه دون خصومات من راتبي، أو تأثيرات على تقييمي السنوي لكثرة تأخيري عن العمل. تَحَدَّثَت بلا تردُّد، كانت الكلمات تتسارع من فمها بدفء وببساطة، ورقّة وانفعال، ونعومة وصدق، وبوضوح ومرارة وألم.. كانت تتحدث دون تلعثم، وبلا انقطاع.. أليس غريبًا مع كل هذا العدد من نسائنا المشارِكات في التنمية، ولا توجد لدينا مواصلات عامة! بتصوير إنساني دقيق تساهم إحدى بناتنا في الكشف عن معاناة المرأة في المواصلات، وإيمانها بدورها في المشاركة في تنمية بلادها. كنت أحاول أن أتحاشى سؤالها، كأنني أهرب بمحاولة انشغالي بتذكرة هروب من قسوة الإجابة عن سؤالها.. حملتُ معاناتها تحت قلبي وأنا أودّعها.. وسؤال كبير يرتسم على شفتي خجلتُ أن أتفوّه به. أحسستُ أن السؤال عبيط، كأنني أسأل خريطة العالم منذ متى وأنت خريطة لهذا العالم؟! حبستُ دمعة قبطان يشهد غرق سفينته، ولا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى التجديف، حاولتُ أن انشغل عن سؤالها بتأمل المحلات الصغيرة، والبيوت المصبوغة بدهان مميّز الألوان في مدينتي جدة. وبصوت خافت تمتمتُ: إلى متى هذه البهدلة؟! ومع حروفي الخميسية أُرسل للمرأة في بلادي: لك يا سيدتي.. يا من تسبحين كالأسماك في مياه قلوبنا.. ابق لنا.. ابق لنا كثيرًا في هذه الحياة.. ابق لنا مشاركتك في تنمية بلادي.. فبوجودك يا سيدتي على أرض هذا الوطن تصبح الأرض قابلة للسكنى والحياة ممكنة، جهودك يا سيدتي منيرة في الظلام وتفيض بالإنسانية.. مشرقة كغيمة ناصعة.. قصص نجاحاتك يا سيدتي محلية وعالمية، تتدفق عسلها حلوًا كريق نبات في كل اتجاه. [email protected]