نسمع بهذا الحديث من بعض المشايخ والوعاظ للتغليظ على من يفطر في رمضان بدون عذر، ولا شك أن الإفطار في رمضان بدون عذر حرام وكبيرة من الكبائر. لكن هذا الحديث لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأمرين: الأول: أن هذا الحديث ضعيف، فالحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى، وذكره البخاري تعليقا، ومدار الحديث على أبي المطوس وأبيه وهما مجهولان، قال ابن خزيمة: لا أعرف أبا المطوس ولا أباه. وقال ابن حجر في الفتح: « قال البخاري في التاريخ: تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا، قلت (الحافظ) واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافًا كثيرًا فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب والجهل بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة» قال القرطبي: «حديث ضعيف لا يحتج بمثله وقد صحت أحاديث بخلافه». وقال الدميري: «ضعيف وإن علقه البخاري وسكت عنه أبو داود، وممن جزم بضعفه البغوي وقال ابن حجر: فيه اضطراب، وقال الذهبي في الكبائر: هذا لم يثبت»، انظر: فتح الباري لابن حجر 4 / 161، شرح السنة للبغوي (6/290)، مشكاة المصابيح تحقيق الألباني 1 / 626 وضعيف سنن الترمذي للألباني حديث رقم 115، العلل الواردة في الأحاديث للدار قطني 8 / 270. الأمر الثاني: أن الذي عليه أكثر أهل العلم العمل بخلاف هذا الحديث وأن من أفطر في رمضان سواء بعذر أو بدون عذر فعليه القضاء، وإن كان الإفطار بجماع فعليه القضاء والكفارة. قال الإمام البغوي في شرح السنة (6/290): فالعلماء مجمعون على أنه يقضي يومًا مكانه. وقال العظيم آبادي في عون المعبود (7/29): والذي عليه أكثر السلف أنه يجزئه يوم بدل يوم وإن كان ما أفطره في غاية الطول والحر وما صامه في غاية القصر والبرد. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم من أفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ فقال رحمه الله: الفطر في نهار رمضان دون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقًا ، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره... لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض، فيلزمه قضاؤه كاملاً، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمدًا بلا عذر الراجح أنه لا يلزمه القضاء، لأنه لن يستفيد منه شيئًا، لأنه لن يقبل منه، فإن القاعدة: أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين، فإنها إذا أخرت عن ذلك اليوم المعين بلا عذر لن تقبل من صاحبها،(موقع فضيلة الشيخ ابن عثيمين السؤال رقم 131) وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي: «وإذا ترك صيام رمضان متعمدًا فأفطر ولو يومًا واحدًا لم يقضه صيام الدهر ولو صامه بمعنى أن الله لايعطيه ثواب ذلك اليوم ولو صام الدهر كاملاً؛ لكن يجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن الله فرض علينا صيام الشهر كاملاً، ولا يسقط هذا الشهر إلا بدليل، وأما حديث (من أفطر يومًا من رمضان لم يقضه صيام الدهر) فقد خرج مخرج الوعيد وهو المخرج الذي يسمى ب(المبالغة)... وقوله-عليه الصلاة والسلام-: (لم يقضه صيام الدهر) يعني إنه لاينال الفضل في قضاء ذلك... أما إسقاط الفرض عنه فإنه قول ضعيف ومخالف للأصل، فإن النبي بين لنا أن الحقوق واجبة وأن حقوق الله دين على المكلف» وفق الله الجميع للقول النافع والعمل الصالح.