الحديث عن الأمن الفكري في عصر العولمة والثورة المعلوماتيَّة أمرٌ من الأهمية بمكان، إذ تعدَّدت منابع التَّواصل عبر مختلف الوسائل المرئيَّة والمسموعة والمقروءة، حيث تعدُّد الرُّؤى، واختلاف الأهداف في بعض الأحيان، مع شيوع " ثقافة " أصدر العالم الفلاني ذلك البيان، وأفتى الشَّيخ الفلاني في بلدٍ ما بتلك الفتوى و"أجاز" الآخر كذا، و"أبطل" غيره هذه الفتوى، و"انتقدها" فلان في برنامجه التِّلفزيوني، إلى غير ذلك من "الثَّقافة" الجديدة التي برزت مؤخراً، وجعلت شريحةً من المتعلِّمين، وغير المتعلِّمين في حيرةٍ من أمرهم !! قضيَّة الفكر يا سادة من أهمِّ القضايا المعاصرة التي تحتاج إلى توجيه الدِّراسات المستفيضة حولها، ليفهمها النَّشء، ويستوعب مضامينها، ويكون على معرفةٍ بأبعادها وأهدافها ؛ ليكتسب المناعة التي تحول انتشار العدوى، والإصابة بذلك الوباء . وفي الجانب الأدبي الذي يدعو إلى الفكر المعتدل، ونبذ كل عناصر الغلوِّ والتَّطرُّف، وتعزيز قيم الانتماء لهذا الوطن المعطاء، الذي شرَّفه الله تعالى بالحرمين الشَّريفين، حيث تأتي كلمات القصيدة عذبةً رقراقةً كالماء الزُّلال في شعر صالح الهنيدي، يقول : وطَني .. وهَبْتُك خافِقاً ولهانا ونَشَرْتُ فوقَ جَبِيْنِكَ الأوْزَانَا وطَني..وتَسْبِقُنِي الحروفُ وتنْثَنِي فرَحاً، وتقطِفُ مِن هَوَاكَ حَنَانَا وطَني .. بَذَرْتُكَ في الفؤادِ محبَّةً فنبَتَّ في أقصَى الجَوَى شِرْيَانا " أَفَلاَ أُحِبُّكَ " والمبادئُ كُلُّها تجري إليك على المَدى جَرَيَانَا ؟ " أَفَلاَ أُحِبُّكَ " والعقيدةُ والهُدَى ملأتْ فؤادَك حكمةً وبيانا ؟ أَسْرَجْتَ للإسلام خيلَ عَزِيْمَةٍ صارتْ له سُبُلُ الهُدَى ميدانا ومن على ذرى الشُّموخ والاعتزاز تفيض قريحة شاعر الجنوب إبراهيم مفتاح في حبِّ هذا الوطن المعطاء، الذي غدا أُنشودةً في فم الشَّاعر المحبِّ لوطنه، العاشق لترابه، وتراثه، وتاريخه العريق، يقول : وطَني..لعَيْنَيْكَ أَسْرَجْت الُمنَى سَحَراً إذ "عَسْعَسَ اللَّيْلُ" أمناً في سُرَى سُفُني وحين أَقْلَعْتُ مزهُوّاً بأشرِعَتِي تَنَفَّسَ الصُّبْحُ يُمْناً في رُبَى مُدُني يا مهبِطَ الوَحْيِ " تَبَّتْ " كلّ آثِمةٍ مِنَ الرَّزايا،وتَبَّتْ نفسُ كلِّ دَنِي وطني..يذُوبُ الهَوى في كاحِلي لُغَةً وبين جَنْبَيَّ في صَحْوِي وفي وَسَنِي ما زلتَ شمساً إذا كلُّ الشُّمُوسِ غَفَتْ وأنجُماً في ليالي التِّيْه تُرشِدُني ويَحَار الشَّاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي فيما يبتدئ به إحدى قصائده في وصف هذا الوطن المحبوب، فمسيرة الأمجاد واسعة وبعيدة المدى، ويصعب حصرها، يقول : منْ أينَ أبتدِئ الحديثَ عنِ الوطَنْ ولمَن أصوغُ حكايةَ الذكرَى، لَمنْ ؟ من أينَ، والأمجادُ تُشرِق في دمِي نوراً من الذكرَى، وتختصرُ الزَّمنْ؟ منْ أينَ، والإيمانُ يجرِي نهرُه عذباً، ويغسِل عن مشاعرِنا الدَّرَنْ ؟ قالوا: ابتَدِئ مِن وصفِ مكَّةَ إنَّها صَدْرٌ حَوَى نورُ الهدايةِ واطْمَأَنْ ابدأْ مِن البيتِ العتيقِ فإنَّه سكنٌ لمَن لم يلقَ في الدُّنيا سَكَنْ وللقصيدة الشِّعريَّة في أدبنا المعاصر مجال فسيح في هذا الجانب يتبارى فيه الشُّعراء بالإفصاح عما يجول في خواطرهم، ويدور في وجدانهم . * الجامعة الإسلامية – المدينة المنوَّرة Mh1111m@ : تويتر