حين همّت طالبان بهدم تمثال بودا التاريخي في أفغانستان، أفتى عديد من كبار علماء عالمنا الإسلامي بالنهي عن ذلك، على اعتبار ما يحمله ذلك العمل من تعدٍّ غير مقبول، وكنا كمثقفين معهم في هذا الرأي قلبا وقالبا، إذ إن المساس بثقافات الشعوب من أشد الأخطاء وِزرا، وأكثرها خطرا، وعاقبتها ستكون وخيمة على كثير من مآثرنا الإسلامية في بعض بلدان العالم. واليوم يتكرر العبث الطالباني ولكن هذه المرة في مشاهدنا التراثية الإسلامية، إذ يصبح التعدي على عديد من المواقع التاريخية ذات السمت الروحاني الخاص لعديد من المسلمين، صفة رئيسية من صفات ثورة الربيع العربي كما يُقال، ذلك الربيع الذي جاء ليُحرر المواطن في بلدان الربيع من مختلف الانتهاكات، ويُؤسِّس لمشهد جديد من الحرية والعدالة والكرامة والمساواة؛ لكن فيما يبدو فإن الشعارات شيء، والتطبيق شيء آخر. وواقع الحال وبمنأى عن الخوض في حقيقة الربيع العربي ومآلاته السياسية والاقتصادية والحقوقية المعاشة اليوم، وما إذا كانت النخبة الثقافية في دول الربيع العربي قد تمكنت من تأسيس إطار قانوني حياتي لطبيعة المجتمع المدني الذي تحلم بإنشائه، المجتمع الذي يتساوى فيه الجميع تحت مظلة القانون، وترتقي فيه تكويناته المتنوعة سلوكيا، تبعا لرقيها ذهنيا؛ بمنأى عن مناقشة كل ذلك، فإن المشهد ليشي بشيء من السوداوية مع تسيد الطالبانيين الجدد على مسار عديد من الأحداث في مختلف بلدان الربيع العربي، أولئك الذين اقتحموا عرى الساحة بقصد فرض أفكارهم المتشددة دون النظر إلى مدى موافقة العلماء لهم. وكان من جراء ذلك ومنذ الوهلة الأولى لسقوط الأنظمة، أن عمل أولئك على هدم عديد من الأماكن ذات السمت الديني في كل من ليبيا ومصر، لكونهم لا يرون مشروعيتها، وبلغ بهم الحال في سوريا أن قاموا بنبش قبر الصحابي الجليل حِجر بن عَدي بكل جرأة وصلف، وهو تعدِّ سافر لا يُقرّ به أحد من أهل العلم بأي حال من الأحوال. والسؤال: هل الحرية والعدالة والكرامة والمساواة التي يقاتلون من أجل تحقيقها تقتضي لبلوغها سلوك مثل هذا التعدي السافر على حرمات الأموات؟ فكيف إذا كان أولئك من قبيل الصحابي الجليل حجر الخير كما وصفه ابن الأثير، وراهب أصحاب محمد كما جاء في المستدرك للحاكم، والصالح العابد الذي لازم الوضوء وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر كما قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام. إن مثل هذا السلوك المشين يكشف خبايا أهداف تلك الجماعات الدينية المتشددة، التي تعلن ثورتها على الظلم والطغيان، لكنها تمارس ظلما أشنع وعدوانا أشد، فهل ما يجري يتوافق مع هوية وأهداف الربيع العربي المعلنة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!. [email protected]