سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من غيّب فاتنة شاكر ومن هو الخاسر؟! أين فاتنة شاكر؟ لماذا لا تكتب في صحيفة؟ لماذا لم تحضر جلسات الحوار الوطني؟ لماذا لا تدعى لمعرض الكتاب؟ لماذا لا تكرم؟
قبل سنوات طويلة، كنا نحضر ندوة في نقابة الصحفيين، الحضور والمتحدثون من كبار الاعلاميين والكتاب والصحفيين، ذهبتْ إلى المنصة لتداخل، شعرت بالفرح لأنها حتما ستُعرف بنفسها، لكني لم أكن أعلم أن إصرارها على البقاء خارج دائرة الضوء قوي لذلك الحد. شعرت أن الحضور لا بد أن يتعرف على صاحبة المداخلة التي جعلت القاعة الكبيرة تصدح بالتصفيق. بعد عودتها ذهبت واعتليت منصة المداخلات، وذكرت بأن المتحدثة السابقة هي د/ فاتنة شاكر أكاديمية وإعلامية سعودية. لم أتخيل بأن تلك الكلمات ستربك القاعة بتلك الصورة. المتحدثون وكان منهم الاعلامي محمود سعد، وابراهيم عيسى، وبثينة كامل، وآخرون تركوا أماكنهم والتفوا حول د/ فاتنة، يعبرون لها عن سعادتهم برؤيتها ويذكرون تلك الحقبة التي كانت فيها رئيسة تحرير سيدتي. ذلك مشهد واحد من مواقف كثيرة حدثت أمامي تؤكد أن المكانة التي يصنعها الانسان بإخلاصه وخلقه وتواضعه لايمحوها الزمان ولا المكان بل تزداد رسوخا مع الأيام. تذكرت تلك الحادثة وأنا أقرأ لقاء د/ فاتنة شاكر مع العزيزة حليمة مظفر في صحيفة الحياة يوم الثلاثاء 9 إبريل 2013م. د/ فاتنة التي ملكت القلوب، منذ انطلق صوتها عبر الأثير من إذاعة جدة، كان جل مستمعيها جيلاً يخفي بين طيات ذكرياته صوت واسم فاتنة أمين شاكر. الأجيال المتعاقبة إما قارئة لمقالتها الافتتاحية لمجلة سيدتي، تبتلع كلماتها وتهضم أفكارها وتحلم برؤيتها مثلي، أو طالبة تعشّقت فكرها وسلوكها الراقي وهدوءها وبساطتها وابتسامتها الآسرة فظلت وفية وتبحث عنها ولا تجد إجابة تشفي ألم الأسئلة المتتالية: أين فاتنة شاكر؟ لماذا لا تكتب في صحيفة؟ لماذا لم تحضر جلسات الحوار الوطني؟ لماذا لا تدعى لمعرض الكتاب؟ لماذا لا تُكرَّم؟! كلها أسئلة طرحت بصيغتها السابقة أو بصيغ أخرى ولكن صمت غاليتنا د/ فاتنة يطمر تتالي الأسئلة تحت تربة حيرتنا! لم أختف ولم أغب، بل تم تغييبي! هل نحن مجتمع لايدرك قيمة الجواهر الثمينة التي بين يديه، ويبحث بين أكوام الرمل عن الحجارة والحصى يزين بها جيده؟! ربما لذلك تكاثر أصحاب الشهادات الوهمية، وتسنموا المناصب، وتصدروا كل محفل! من يتعرف على سيرة د/ فاتنة العلمية والعملية وخبرتها الحياتية والدراسة في الخارج في زمن لم يكن التعليم متاحاً للفتاة، دراستها في أمريكا،الحياة في سويسرا، ثم في كينيا والتدريس في جامعة نيروبي، ثم في لندن خلال ترؤسها مجلة سيدتي، وعملها الأكاديمي الذي امتد عشرين عاما، وكتابتها الصحفية في جريدة الرياض ثم في الحياة، كل هذه الخبرات والتجارب بالاضافة إلى عملها الاذاعي والوظيفي في الشؤون الاجتماعية بالاضافة إلى شخصيتها المتوازنة ورقتها المتناهية وسلوكها الراقي، يدرك حجم خسارتنا، وتغييبها خسارة وطنية، لأنها كنز أدرنا له ظهرنا وركضنا بين الحفر! كم عدد الأصابع التي كانت تتحرك لعزل فاتنة شاكر عن كل أوجه النشاط؟! ربما تكون أصابع الغيرة، من حضور فاتنة الجاذب والمبهر، والخوف من هذه الهبة الالهية التي تمتلكها فاتنة، أم أنه الفكر التكفيرى، الذي جعل الاقتراب منها خطاً أحمر - كما ذكرت في اللقاء- وعمل على تغييبها عن كل الفعاليات الثقافية والمهرجانات والأسابيع الثقافية خارج الوطن؟! تقول: أسهمت في هذا التغييب إحتراما لنفسي. لم ترفع صوتها، لم تشتك، لم تتوسل ولم تتسول، بل في صمتها الوقور كسبت المحبين والمعجبين، وظل السؤال يتكرر،كيف،ولماذا؟ وأين؟ كل تلك الأسئلة لا تشغل بالها، تستمتع بالحياة في الاسكندرية بعض الوقت، وتتواصل مع الوطن من خلال تويتروالفيسبوك. (تويتر أعادني للحياة) الشباب يتواصلون معها على تويتر، سمعت ابنتي تتحدث عن إيجابيات تويتر وأنها (تصطبح) على تغريدات د/ فاتنة. الاسكندرية تجد فيها (حرية الحركة والاختيار) لكن مدينتها الأثيرة "جدة" ومعشوقها الوطن، والشباب على قائمة اهتماماتها (من واجبي الآن أن أعطي الجيل الجديد حصيلة تجربتي الحياتية). اتصلت بي طبيبة شابة تحثني على تنظيم لقاء مع د/ فاتنة في الصالون الثقافي في أدبي جدة فهي من متابعيها على تويتر، أنا أيضا رغم حداثة عهدي بتويتر وأتسلل على أطراف أصابعي إلا أني أتابع د/ فاتنة، لذلك تشعر عنها بالغبن، وتتألم ليس من أجلها بل من أجلنا ومن أجل الوطن بشبابه وشاباته اللاتي يلتفون حولها في كل مكان توجد فيه بالصدفة، فهي لم تخسر بل كان مكسبها أكبر كما قالت: (كان تغيبي عن الساحة مكسبا للانسان في شخصي، فعكفت على القراءة والتأمل). [email protected]