أحمر عمان يقلب الطاولة بوجه العنابي    القبض على باكستاني في المدينة المنورة لترويجه «الشبو»    ترامب: سأوجه وزارة العدل إلى السعي بقوة لتطبيق عقوبة الإعدام    المرصد العالمي للجوع يحذر من اتساع نطاق المجاعة في السودان    نائب أمير الرياض يعزي في وفاة عبدالرحمن الحماد    «اتحاد الغرف» يعلن البدء في تأسيس أول مجلس أعمال سعودي - كويتي مشترك    عبدالعزيز بن سعود يكرم الفائزين بجوائز مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2024م    وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يلتقي قطاع الأعمال بغرفة الشرقية    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وجامعة الأميرة نورة تطلقان معرضًا فنيًا عن الإبل    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    إطلاق "عيادات التمكين" لمستفيدي الضمان الاجتماعي بالشرقية    مدرب المنتخب السعودي: طموحنا مستمر وسنعمل لتصحيح المسار أمام اليمن غدًا في خليجي 26    الأمين العام لجامعة الدول العربية يلتقي وزير الشؤون الخارجية الصومالي    مجلس الوزراء يقر الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة العامة    إجراءات تركية جديدة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين    زراعة 153 ألف شجرة لتعزيز استدامة البيئة بالمدينة    عبد العزيز بن سعد يشهد الحفل السنوي لجمعية الأطفال ذوي الإعاقة بحائل 2024    انطلاق منافسات سباقات الخيل في ميدان الفروسية بالدمام الجمعة المقبل    خطة تقسيم غزة تعود إلى الواجهة    المملكة تُطلق الحوافز المعيارية لتعزيز الصناعة واستقطاب الاستثمارات    "الوعلان للتجارة" تحتفل بإطلاق "لوتس إمييا" 2025 كهربائية بقدرات فائقة    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور        "البروتون" ينقذ أدمغة الأطفال.. دقة تستهدف الورم فقط    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    قبل عطلات رأس السنة.. أسعار الحديد ترتفع    "موسم الرياض" يعلن عن النزالات الكبرى ضمن "UFC"    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    محمد بن سلمان... القائد الملهم    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    استدامة الحياة الفطرية    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    احترم تاريخ الأخضر يا رينارد    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتنة شاكر: رجعت حين «الصحوة» فأساؤوا إليّ بذنب دراستي في الغرب
نشر في الحياة يوم 09 - 04 - 2013

هي علامة فارقة في تاريخ ريادة المرأة السعودية، فهي أول امرأة ينطلق صوتها عبر الإذاعة السعودية، مقدمة برنامجاً للأسرة عام 1962، وأول من حصلت على شهادة الدكتوراه من السعوديات عام 1971، وأول رئيسة تحرير، إذ عُينت عام 1980، وأجرت حوارات صحافية بارزة على المستويين الدولي والعربي حينها، كما كان لها دور ريادي في إدارة الخدمة الاجتماعية وتأسيسها. هذا إلى جانب عطائها الأكاديمي 20 عاماً، وكل هذا لم يكن سهلاً في وقت كان تعليم الفتاة صعباً، بل كانت التحديات أمامها كثيرة، ومع هذا تغضب حين يصفها أحد ب«الأوّلية» وتُبرر: «هذا يدل على أننا متأخرون».
الدكتورة فاتنة أمين شاكر ظهرت بعد انقطاع أعواماً طويلة عن الساحة الإعلامية، مغردةً عبر «تويتر»، ومن خلال هذا الحوار في صحيفة «الحياة» بعد أن التقيتُها، واستضافتني في شقتها المطلة على شط الإسكندرية، حيث تُقيم، وكان هذا الحوار:
لماذا اختفيتِ وانقطعتِ وأقمتِ في الإسكندرية؟
- لم أختفِ ولم أَغِبْ، بل تم تغييبي، أتعرفين معنى «تم إسقاطه من قائمة الأحياء»، هذا ما حصل معي، وأعترف بأنني أسهمتُ في هذا التغييب احتراماً لنفسي. ولك بعض الأسباب: كتبتُ في إحدى الصحف بعد تقاعدي المبكر ثلاثة أشهر في شكل يومي، ثم أُوقفت عن الكتابة من دون إبداء الأسباب أو حتى الاعتذار. وأحياناً تُطلب مني بعض البرامج الإذاعية مشاركةً أو حوارات، وأتفاجأ باعتذارهم في آخر الوقت. أو تتصل بي بعض الجامعات لأجل عمل محاضرة أو ندوة، وفي آخر وقت يتم إلغاء مشاركتي أو الاعتذار لي من دون إبداء الأسباب،
ومع تكرار هذه المواقف تكتشفين أن هناك خطاً أحمر عليّ، وهو ما أستغربه فعلاً، فأنا ليس لي أي نشاط سياسي ولا نشاط ديني، بل كما يقول المثل الشعبي: «ماشية جنب الحيط». حتى فعاليات وزارة الثقافة والإعلام كالأيام السعودية الثقافية في الخارج أو المؤتمرات والندوات ومعارض الكتب والأنشطة التي تقوم بها في الداخل والخارج لم أُدْعَ للمشاركة بها سوى دعوة واحدة لمعرض الكتاب قبل الأخير، ولم أتمكن من حضوره. وأيضاً الحوارات الوطنية كنت أسمعُ أنني دعيت واعتذرت! يبدو أن الدعوة كانت تضل طريقها إليّ! ولك أن تتخيلي ذلك يا حليمة.
لكن في نهاية الأمر كان تغييبي عن الساحة مكسباً للإنسان في شخصي، فعكفتُ على القراءة والتأمل، وأجد أنه من واجبي الآن أن أعطي الجيل الجديد حصيلة تجربتي الحياتية.
ولماذا تركتِ جدة وأقمتِ في الإسكندرية؟
- لم أترك مدينة جدة أبداً، جدة هي مسقط رأسي، أتناوب الإقامة بين جدة والإسكندرية، ولكنني أفضّل البقاء في الإسكندرية أطول مدة ممكنة، لأنني في جدة أفتقر إلى حرية الحركة بسبب عدم وجود مواصلات محترمة، وليس لديّ الاستطاعة لتشغيل سائق، فكما تعرفين، أنا متقاعدة وتكاليف السائق عالية، ناهيك عن متطلباته ومشكلاته، فالإسكندرية تمنحني الحرية.. حرية الحركة والاختيار.
قيادة المرأة السيارة
نعيش صراعاً بين التيارات.. فهل هي برأيكِ الصراعات ذاتها التي شهدها جيلكم؟
- لا أستطيع أن أخبرك، فلم أعد أتابع كثيراً ما يدور الآن، لأني لا أريد أن أعيش الأعوام المتبقية لي من عمري في ألم، ويمكن هذا من أسباب ابتعادي حالياً، فأي حب يمكنك أن تتخلصي منه إلا حبّ الله تعالى ورسوله الكريم، أضف إليه حب الوطن. هذا هو الحب الوحيد الذي يبقى معك، ولهذا يزعجني أن أشاهد مجتمعي في عام 2013 وهو لا يزال متأخراً فكرياً وحضارياً في بعض المستويات، على رغم الإمكانات الكبيرة التي نتمتع بها نتيجة لتيار لا يتفهم التنمية ومتطلبات الحياة. فهل تعرفين أن مسألة قيادة المرأة السيارة لو طُرحت منذ 50 عاماً كان من الممكن أن تتم الموافقة عليها بسهولة.
لماذا لم تطرحوه حينها ما دام الوضع كان متوافقاً مع هذه الفكرة التي أخذت وقتاً طويلاً من الجدل الآن؟
- لم تكن هناك حاجة إليه، ولم تكن الفكرة واردة، وأُجّلت، فحتى العائلات التي تمتلك سيارة ويسوقها الرجال كانت قليلة جداً، كما أن المدن كانت صغيرة، ولم تكن هناك أزمة مواصلات كما هي الحال الآن في ظل توسع المدن.
تجربة رئاسة التحرير
كنتِ أول رئيسة تحرير سعودية.. هل لك أن تحدثينا عن هذه التجربة؟
- كانت تجربتي ثرية التعامل مع جهاز تحرير يحمل كل مشكلات الشرق الأوسط. وهناك الرقابة، تتعلمين كيف تُجدفين في مياه صعبة مع الأولى ومع الرقابة تناورين، كما لعبة القط والفأر. يحذفون لك صفحة كاملة فنعوِّضها بجملة واحدة يفطن لها القارئ. كنتُ مستوعبة لذهنية الرقيب السعودي فعرفتُ كيف يمكن تمرير الرسالة التي نريدها. آن ذاك كان سقف الرقابة أقل مما هو الآن، وأتذكر كان وقتها الدكتور محمد عبده يماني (رحمه الله) هو وزير الإعلام، وهو بصراحة إنسان رقيق القلب ومع المرأة قلباً وقالباً ولا يصلح للرقابة، وكان الذي يتحدث معي بالملاحظات هو الدكتور عبدالعزيز خوجة، لأنه كان وكيل الوزارة حينها، وهو شاعر رقيق أيضاً، لكني كنتُ أعرف حين يتصل بي أن لديه ملاحظات، فهو يستخدم طريقة رقيقة وغير مباشرة في إبداء وجهة النظر الرسمية، وكنا نتحاور ونتناقش. دعيني أخبرك أن العمل في الصحافة كما الطفل حين تُبنى شخصيته فيعرف حدوده مع الحياة عاماً بعد عام عبر التجارب. ولكنه أيضاً في اختبار دائم لتلك الحدود. والعمل في الصحافة العربية يحتاج إلى أن نختبر ونناور تلك الحدود والخطوط حتى تصلين إلى أقصى سقف ممكن للحرية في مصلحة قضيتك، لكنها تستهلك طاقتك. عموماً هذه التجربة أضافت لي الكثير وصقلت قدراتي على أكثر من صعيد.
فاتنة شاكر.. «علامة فارقة» في تاريخ المرأة السعودية، فهي أول رئيسة تحرير وأول صوت إذاعي وأول كاتبة في صحيفة دولية وأول مشرفة اجتماعية ومسؤولة إدارية، ومن أوائل من حصلن على الدكتوراه من الخارج.. ماذا عن هذا التاريخ؟
- كل ما في الأمر أني وُلِدتُ قبل التعليم الرسمي (وتبتسم بعفوية)، عموماً التاريخ هو التاريخ يا حليمة، يسجل الذي يسجله، وهذا الشيء الذي يجب أن نتعلمه، ألاّ نصبح حبيسين للإنجاز، لقد كنتُ فيه مجرد دور واجتهدت في أدائه، ودوري انتهى أو وجد له منحنى آخر.. هذا كل ما في الأمر. مشكلتنا أننا نمجد المُنجز وننسى العملية التي أوصلت إليه. عملية التعلم أهم بكثير من المُنجز، وهذا التعلم والاكتساب هما ثروتي، وحين كانوا يقولون عني إنني من أوائل من حصلن على الدكتوراه من السعوديات أغضب، فهذا يعني أننا كنا متأخرين آن ذاك.
الآن نسمعها كثيراً، ونحن بعد مرحلتك بنحو 40 عاماً.. أول امرأة سعودية في كذا وكذا.. ما رأيك؟
- مُحدثين ثقافة «الأول» للمرأة و(تضحك مُكملة): هؤلاء ينسون الزمن وينسون أننا في عام 2013.
حوار حميم مع أنديرا غاندي
حاورتِ شخصيات مؤثرة على المستويين الدولي والعربي في مجلة «سيدتي» إبان ترؤسك تحريرها، من بينها أنديرا غاندي (رئيسة وزراء الهند آن ذاك) التي اغتُيلت.. حوارك معها كان حميماً على غير عادة الحوارات مع السياسيين.. ما السر؟
- إنها من الشخصيات التي أقدّرها. ويجب أن تعلمي أن هذا الحوار حين نُشر شُتمت وكُفرت - مع الأسف - من بعض المتشددين، حتى إن أحدهم ألّف كتاباً في ذلك، وصنّفني من النماذج الخارجة عن العقيدة وكان يُدرّس في الجامعة في قسم الدراسات الإسلامية.
ولنعد إلى أنديرا غاندي: كان همي - وأنا أُجري معها هذا الحوار، وقد سافرت إلى الهند حيث تقيم - أن أبحث عن الأنثى في السيدة السياسية، كنت أبحث فيها عن إنسان عاش حياته كلها في بيت السياسة بامتياز، فهي معروفة حاكمةً ل 700 مليون في الهند آن ذاك، وكنت - وأنا معها - أبحث عن إجابات عن أسئلة في رأسي: هل أحبّت؟! ماذا عن أولادها؟ عن بيتها؟ عن زوجها؟ وهي أحسّت أني أريد الخوض في شيء من خصوصياتها بصفتها امرأة، وسمحت لي بذلك ولم تصدّني، فخرج هذا الحوار كما قرأتِه، هذا إلى جانب الشق السياسي أيضاً، الذي أرسلته حينها إلى صحيفة الشرق الأوسط، وكان يترأس تحريرها عرفان نظام الدين، وهو صديق وأخ عزيز، وفعلاً تم نشر الحوار في الصحيفة، وكان له تأثير كبير على المستوى السياسي في العلاقات بين السعودية والهند.
الأميّة الديموقراطية ومصطفى أمين
أيضاً الأديب والصحافي المصري المعروف مصطفى أمين قرأتُ حوارك معه وكنتِ تطرقتِ فيه إلى الأميّة الديمقراطية، وهذا الحوار منذ 33 عاماً ويتطابق مع حال الشعوب العربية الآن في ما تعيشه «الربيع العربي» فما نزال نعاني من الأميّة الديموقراطية.. لماذا لا نتعلم من التاريخ؟
- نحن لا نذاكر التاريخ جيداً، ولهذا نعيد أخطاءنا، وتأملي أوضاع الثورات العربية خلال العامين الماضيين، فهي حتى الآن لم تنجح، لأنها إلى الآن لا تحاول قراءة التاريخ جيداً، كي لا تعيد أخطاءها، إلا أن هذه الثورات نجحت في أنها أزاحت الخوف من الشعوب وأخرجتها من «القمقم» وإن خرجت معها سلبيات كثيرة - كالبركان الثائر - ستنتهي، وكما قلتُ سابقاً وقت الانتخابات: الرئيس الكاسب هو الخاسر، والكاسب الأساسي هو وعي الشعب. على رغم كل السلبيات التي نراها من بذاءة وسخرية وفوران غاضب وقهر ستنتهي مع مرور الوقت.
ألم تواجهك تحديات أثناء تعليمك في مصر، فكما نعرف أن المجتمع خلال جيلكم غير مقتنع بتعليم البنات ويراه فساداً لهن.. فكيف بسفرهن للتعليم؟
- كان والداي على قناعة بتعليمي، ولا سيما أني درست في مدارس مصرية للبنات حين أرسلوني صغيرة، حتى جاء وقت الجامعة بالقاهرة، ولأنها مختلطة كانت هناك معارضة من عمتي (رحمها الله)، وأتذكر أنها بررت منعها «أنهم في الجامعة يتعلمون الحب» ويبدو أن لدينا عقدة من «الحب»، لكن قناعة أسرتي ساعدتني في تجاوز ذلك، ولا أخفي عليك أنها كانت مرحلة جميلة في حياتي، ساعدت على بناء شخصيتي والثقة بذاتي وقيمي، وأتذكر أني شاركت في نشاط الكلية في المسرح، وكان حينها الفنان فؤاد المهندس (رحمه الله) يدربنا على التمثيل، وكنت كل ما أفعله بموافقة والدي. وكان الرقيب على تصرفاتي هو ضميري وأخلاقي.
الوصول إلى الوعي
إنه الوعي.. فكيف نصل إلى الانفتاح الواعي؟
- نصل إليه ببناء الوعي، لأن التغيير الحقيقي يبدأ من الفرد، وبناء الوعي لا يحتاج إلى مناصب، بل كل شخص يستطيع أن يقوم بدوره، فعطاء هذا الوعي - على رغم أنه بطيء وربما لا يكون ملحوظاً - يبقى على المستوى البعيد أقوى، فأنتِ تبنين الوعي بالقدوة وحتى بابتسامة، بقولك: صباح الخير، بقولك: يعطيك العافية. هذا بناء للوعي، وعن نفسي أستطيع ممارسته في أي مكان أكون فيه، وهذا لا يحتاج إلى راتب أو منصب، أيضاً قبل كل شيء يكون بقراءة القرآن الكريم بتأمل وتدبر، والاهتمام بالفلسفة، فمن يريد أن يفهم القرآن الكريم عليه أن يهتم بالفلسفة والمنطق، ولا ننسى الاهتمام بصناعة القدوة الفكرية بحق.
هل لدينا اهتمام بصناعة القدوة الآن؟
- نعم، لدينا القدوة (تبتسم بسخرية)، لدينا نجوم الفن ونجوم كرة القدم ونجوم الدعاة ونجوم «تويتر»، وهؤلاء من يجدون الدعم، أما القدوات الفكرية الحقيقية - وإن وجدت - فلا تجد الدعم الرسمي المطلوب.
الدراسة بين القاهرة وأميركا
هل سافرتِ وحدك إلى أميركا لإكمال دراساتك العليا؟
- نعم..(وتضحك) إذ لم يكن من الشرط المحرم وقتها، فبالكاد كانوا يفكرون في إنشاء جامعة أهلية، وكان سفري عام 1964.
ألم يكن غريباً أنك في مرحلة البكالوريوس في القاهرة كنت في جامعة مختلطة وفي أميركا درست في جامعة نسائية؟
- طبعاً مختلف، وأقول لك لو لم تكن جامعة القاهرة مختلطة لما نمت شخصيتي وتأسست قوية، وساعدني ذلك كثيراً خلال دراستي في أميركا، لكن دراستي في جامعة نسائية بأميركا (فولبرايت) جاء للبحث عن جامعة محافِظة، كوني جئت من بلد محافظ، ولهذا اختاروها لي، وهذه اعتبرتها خطوة موفقة لي لأكتشف أكثر، فقد اكتشفت الفرق بين الطالبات في الجامعة غير المختلطة إذ تظهر شخصيتهن غير ناضجة وتفكيرهن محدود ومتلهفات على الرجل كثيراً، وهذا عكس الطالبات في الجامعات المختلطة.
أتمنى أني ابنة اليوم
حين أنهيتِ دراستك في أميركا لم تعودي إلى السعودية مباشرةً.. أليس كذلك؟
- نعم، ذهبت إلى سويسرا عاماً، ثم سافرت إلى كينيا أربعة أعوام، لأني رافقت زوجي السابق بسبب عمله، وأتذكر في سويسرا أني كتبتُ حينها خطاباً للمسؤولين عن رغبتي في العمل بالسلك الديبلوماسي، وكان ذلك عام 1973، وجاءني رد: «ما عندنا بنات يعملن ديبلوماسيات» لكن الآن تغيرت الحال، فتأملي كم عاماً بين المرحلتين؟ لهذا أحزن على الأعوام التي ضاعت من دون أخذ هذه القرارات التي تأخرت، فلو كان التعليم قد بدأ منذ فترة بسيطة كان من الممكن تقبل ذلك، ولكن تعليم المرأة بدأ منذ أعوام طويلة، ومع ذلك تأخرت كثيراً الاستفادة منها، وأهدرنا الأعوام والقدرات.
اليوم وأنت تقرأين عن توافر وظائف للمرأة السعودية في وزارة الخارجية، ولا سيما أنك كنت تتمنين العمل فيها.. كيف تنظرين؟
- أتمنى أنني ابنة اليوم، لأني تمنيت فعلاً العمل في السلك الديبلوماسي، لكني قد وُلدت في زمن آخر، ولا أقول إلا الحمد الله.
لم أندم أنّي عدت إلى وطني
هناك زميلات لك من الجيل ذاته والتجربة التعليمية الخارجية نفسها فضلن البقاء في الخارج حيث الفرص المناسبة في ظل مجتمع كان على وقتكم ما يزال ينمو، وربما تجربة الدكتورة ثريا عبيد الأقرب لك، فقد عملت في الأمم المتحدة.. ألم تندمي على عدم اقتناص هذه الفرص؟
- لم أندم أبداً، بل أحمد الله أني عُدت ووفيت بوعدي، أتعلمين حين كنتُ في أميركا أنهم عرضوا عليّ «الغرين كارد»، لكني رفضتُ وكنت مصممةً على خدمة بلدي بتعليمي، فأوطاننا محتاجة إلينا، وكل إنسان له دور يوجهه له الله تعالى لأدائه، ولا يأخذ إلا ما قدره له، والحمد لله عُدت ودرَّستُ في الجامعة 20 عاماً، لكن مثل ما يقولون «غشيم ومتعافي» فقد رجعت فترة الصحوة، ولم أكن أفهم فعلاً لماذا يسيئون إليّ، وأنا لم أؤذِ أحداً، وكل ذنبي أني درست في الغرب، وأني أهتم بتنمية عقول البنات وشخصياتهن، ولا أنسى أن الوصمة التي كانوا يدندنون عليها «صوتها طلع بالإذاعة»، حتى زميلاتي بالجامعة خافوا الاحتكاك بي عند عودتي، لمجرد إشاعات وافتراءات لا أساس لها من الصحة.
ألم تحاولي تصحيح هذه الأفكار والإشاعات؟
- تصحيحيها كيف؟! وأنتِ أساساً لا تعرفين منبتها، هؤلاء يتحدثون من خلف ظهرك لا من أمامك، وحربهم غير نظيفة وغير متكافئة، والإشاعات أخطر سلاح، ولطالما سمعت من بعضهم «لو ما نعرفك كان صدقنا هذه الأقاويل والأكاذيب؟!» لكن ربي رحمني أني لم أعِرها اهتماماً، كي لا أهدر طاقتي.
ألا تعتقدين بأن عملك في الإذاعة كأول امرأة سعودية ينطلق صوتها عبر الأثير وترؤسك تحرير مجلة «سيدتي» عامين، وهي مجلة تهتم بالمرأة العربية، كانا من أسباب رميك بالتهم والتشكيك في تدينك ممن يحملون التوجه المتشدد؟
- بلا شك، لأن هذه أسباب أدت إلى أن يرموني بالعلمانية والماسونية والتشكيك في عقيدتي وغير ذلك من افتراءات.
المرأة.. ومجلس الشورى
كان هناك من يتوقع وجود اسمك بين الأسماء التي عُينت في مجلس الشورى كونك سيدة رائدة في مجالات عدة وعايشت تاريخاً من حياة المجتمع.. هل عُرض عليك؟
- بحسب علمي أنهن على كفاءة، لكني توقعت وجود أسماء مناضلة لها تأثيرها، أمثال: الدكتورة سميرة إسلام والدكتورة هتون الفاسي وغيرهما، وعلمت أن هناك من تساءل عني، لكن لم أتوقع أن يُرشح اسمي، كما أني لم أكن حاضرة على الساحة كبعض الناشطات اللاتي أسهمن في المطالبات المستمرة بمشاركة أكبر للمرأة، وتعرضن لهجوم المعارضين لهن، ودفعن الثمن بشكل عنيف ربما أكثر مما عانيناه نحن في جيلنا، وبالتالي لا يحق لي أن أكون في المجلس. ولكن يظل التساؤل قائماً: ما المقومات التي على أساسها اختيرت تلك الأسماء؟
ماذا عن وجود المرأة في مجلس الشورى بتعيين 30 سيدة فيه.. هل سيؤدي إلى تسريع الإصلاحات الاجتماعية التي تحتاج إليها المرأة؟
- أشرت إلى ذلك في تغريدات عدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وذكرت أني سأؤجل تهنئتي حتى أرى واقع عملها في المجلس في شكل ملموس، وفي الوقت ذاته أستنكر ما تعرض له القرار من رفض واستهزاء بعض المعارضين. أكيد وجود المرأة سيكون له تأثير، ولكن يتطلب تكتلاً ومؤازرة بينهن. أرجو أن تصب القرارات في المصلحة العامة بعيداً عن خلافات شخصية أو فكرية.
طبعاً.. لن أوافق
لو عُرض لك منصب.. هل ستوافقين؟
- لا، لا، فالوقت متأخر جداً، لأني لن أغيّر حياتي مهما كان، فأنا مستمتعة بالسلام والهدوء الذي أعيشه الآن. سأخبرك لماذا: فالطاقة مختلفة والصحة مختلفة والعمر مختلف الآن، ولهذا لو وافقت كأني آخذ موقع شخص عمره في ال40، وسيكون عطاؤه مختلفاً وأفضل، وإن كنت أفضّل أن تُعطى المناصب لمن هم في ال30، فلديهم الطاقة والحماسة والطموح للعطاء أكثر.
التغريد في «تويتر»
تغردين في «تويتر» دائماً.. هل كنت تتوقعين أن يشدك بهذه المتعة؟
- أبداً أبداً، حين دخلته كنت خائفة ومترددة ومرتابة، بسبب ما أسمعه من تعرض بعضهم للشتائم والإيذاء، ولا تنسي أن كبار السن يصعب عليهم التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، فقرأت عنه وآداب استخدامه والهدف منه، الآن وفي الفترة الأخيرة وجدت فيه متعة التواصل مع طالبات وزميلات وكوّنت صداقات جميلة، كما أن «تويتر» أعادني إلى الحياة، فعندما تُسقطين من قائمة الأحياء على مستوى الفعل المؤسساتي وأفراده، ثم تجدين في «تويتر» عدداً من طالباتك وزميلاتك يحتفلن باكتشافك في قائمة الأحياء.. إنه شعور مفرح! كما أن «تويتر» يمكن تفعيله كفضاء لبناء الوعي وتبادل المعرفة، وأحرص على التحاور مع الشباب وبعضهم يخاطبوني «يا عمتي» وبعضهم «يا أمي» وبقي جدتي.. وأنا سعيدة بذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.