قال أَحَدُ الفَلَاسِفة «اكْتُبْ، أَقُلْ لَكَ فِيمَا تُفَكِّر « والمعنيُّ بالعبارة هنا هو الكاتب الذي يُجَسِّدُ الواقع، ويُشخِّص حقيقة التَّفكير الذي ينطلق منه إلى آفاق مجتمعه وبيئته، ويُوصله إلى هاجس المثقَّف، وهموم الثَّقافة التي هي جزءٌ من غذاء الفكر، ومصدرٌ من مصادر نموِّه وكينونته وتطوُّره!! وعندما يتأمَّل القارئ الطَّرح الفكري الذي تتبنَّاه بعض الزَّوايا والأعمدة في صحافتنا المحلِّيَّة فإنَّه لا يعدم أن يجد حديثًا مكرورًا حول إحدى ثلاث قضايا، تختلف في أسلوب إيرادها، ولكنَّها تتفق في مضمونها. أولى هذه القضايا: قيادة المرأة للسَّيَّارة!! وثانيها: الاختلاف حول تقييم الدَّور الذي تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر!! وثالثها: الحديث عن إنشاء أندية نسائيَّةٍ رياضيَّة، وتمكين «المرأة» من اقتحام المجال الرِّياضي!! التَّركيز على هذه القضايا دون سواها، وبأسلوبٍ مُملٍّ يجلب الغثيان جعل منها «بيتَ القصيد» و «مربطَ الفرس» و «حجرَ الزَّاوية» الذي تلتفُّ حوله الموضوعات الحاسمة، وكأنَّها هي تلك القضايا «المُستعصية»!! التي لايهتمُّ النَّاس بسواها، بل وينتظرون فيها بفارغ الصَّبر القرار الحاسم والرَّأي الفاصل!! أقول: وقفتُ أتلفَّتُ يَمْنَةً ويَسْرَةً أتأمَّل في تلك «الزَّوايا» عَلِّي أن أظفر بموضوع حول «تفعيل الثَّقافة»، وإبراز المعالم الثَّقافيَّة في بلدٍ له خصوصيَّته الثَّقافيَّة، وتوصيف الواقِّع الثَّقافي المغيَّب في بعض الجوانب، وطرح ما يمكن الاستنارة به في تطوير واقعنا الثَّقافي الذي يحتاج تفعيل أكثر ممَّا هو مشاهد!! ما هو حجم المؤتمرات العلميَّة، والنَّدوات الثَّقافيَّة، والمحاضرات، واللقاءات الأدبيَّة بين أطياف المثقَّفين، التي تُحرِّك الرَّاكد، وتُنعش حركة الثَّقافة، وتُحفِّز على الإبداع في البيئة الثَّقافيَّة. إنَّ المشهد الثَّقافي القائم لا يوازي ما نملكه من إمكانات وقدرات بل يتخلَّف عنه، ويتوارى أمام حالة من الجمود، وتحكُّم الرُّوتين، وانعدام المبادرة الجادَّة التي هي من عوامل الإنعاش الثَّقافي. ويخطر في الذِّهن سؤال: هل الثَّقافة تحتاج إلى تخطيط؟ نعم تحتاج إلى تخطيط، وتنظيم، وتفعيل، ومواكبة لعصر «التَّدفُّق الثَّقافي» و «الثَّورة المعلوماتيَّة» على أجهزة التَّواصل الحديثة. إنَّ من يرسم اللوحة الثَّقافيَّة في مختلف مناحي التَّعليم، وميادين الأدب والفكر هو «مهندس» حاذق و «رُبَّان» ماهر يقود سفينة الثَّقافة إلى شواطئ الإبداع والتألق والنَّجاح، ويستحقُّ أعلى الأوسمة التي تُمنح تقديرًا لمن يخدم ثقافته ولغته وأمَّته. وهي رسالة مفتوحة أبعثها لكلِّ القائمين على مجالات التَّعليم العام والعالي، والأندية الأدبيَّة، واللجان الثَّقافيَّة، وكل غيور على ثقافتنا الأصليَّة ولغتنا الشَّاعرة أن تتكاتف الجهود وتتواصل الخطى لرسم صَّورة مشرقة وانطلاقة فاعلة لثقافة أصليَّة، تلبِّي حاجة الأجيال، وتشعرهم بسموِّ ثقافتهم، وعلوِّ مكانتها منذ عصور غابرة، وقرون متوالية، حفظت لنا تلك الكنوز والذَّخائر الثَّقافيَّة. إضاءة: بِقَدْرِ القِيمَةِ الَّتِي تَحْمِلُهَا الثَّقَافَة تكونُ الجُهودُ والطَّاقات!! الجامعة الإسلامية – المدينة المنوَّرة * Mh1111m@ : تويتر