كانت الألبان قبل نصف قرن غير متوفرة إلا بقدر ضئيل جداً ، فإذا حظينا بشيء منها على المائدة فرحنا بها حتى أن بعضنا يحتفظ ببعض الرشفات حتى نهاية الطعام، فإذا اعتدى أحدهم خلسة على ما احتفظ به من رشفات قامت الدنيا ولا تقعد، حيث لا يمكن التسامح على الرشفة الأخيرة، يسري هذا الأمر على تناول القهوة وما شابهها، فهناك سعادة مخبأة في الرشفات الأخيرة، وبعض العقلاء يرى أن المتعة والسعادة ليست بالضرورة في الرشفة الأخيرة، وإنما في احتساء الكأس كله ببطء. عندما اصطحبت الأحفاد إلى متحف فقيه البحري كانوا سعداء جداً بهذه الزيارة وأمضينا الوقت بين التأمل في مخلوقات الله وبين التصوير وشراء بعض الهدايا، ثم انتقلنا إلى المكان المعد لعروض الدولفين وانسجموا أيضاً لتفاعل الحضور، وعند نهاية العرض طلبت منهم التهيئة لمغادرة المكان قبل الإزدحام لا سيما وأن السيارة التي تقلنا قد وصلت، إلا أن لذة المشهد الأخير أو الرشفة الأخيرة ( إن جاز هذا التعبير) حالت دون الطاعة. في المقاطع الغنائية الشهيرة لأم كلثوم دوماً ما يكون المقطع الأخير أكثر جمالاً وجاذبية، ويوم السبت مطلع الأسبوع ليس كيوم الخميس عند العديد من طلاب المدارس والجامعات، وفي بعض الحالات عند الآخرين. هناك علاقة إيجابية بين المثابرة والتضحية في البدايات وتحمل المكاره والصعوبات في سبيل الظفر بالنهايات التي يؤمل دوماً أن تكون سعيدة. فالطالب الذي يتحمل مشقة الدراسة والبحث كي يدرج ضمن المتميزين يقطف ثمار ما زرع، والتاجر الذي استثمر ماله وغامر به في البداية في تجارة أو صناعة أو غيره وجد ردحاً من الأمن يفرح بنجاح ما استثمره، وبعضهم يكشر عن أنيابه فيقسو على العميل أو المستهلك ويريد أن يحمله آلام صبره السابق بدلاً من أن يفرح بلذة ما جناه من مكاسب ويشكر الله على ما أتاه من فضله. الحديث عن لذة الرشفة الأخيرة متعدد الجوانب وله في أذهان البعض مجموعة من الخبرات التراكمية. وهناك شئ ندعو به دوماً إلا ان بعضنا لا يحب الآخرين التذكير به رغم أنه واقع لا محالة وهي لذة حسن الخاتمة يعرفها بعض الأحياء فيمن حولهم ممن حظوا بخاتمة جميلة (الموت) وهي منار غبطة الآخرين وحسد القلة، مما استدعى القول: حتى على الموت لم أخلُ من الحسد.. [email protected]