الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد,,, هناك من الأحكام الشرعية ما يكون مرتَّبا على الكلام الذي يتلفظ به المسلم، فعلى سبيل المثال فإن كثيرا من المعاملات التجارية - كالبيع - والأحوال الشخصية - كالطلاق - لا تنعقد إلا بالتلفظ بألفاظها الصريحة, فإن تلفظ المسلم بألفاظ محتملة - وهي ألفاظ الكناية -فلا تعتبر نافذة إلا بالنية. ومن الأمثلة التوضيحية الطلاق فإن له ألفاظا صريحة كالطلاق والتسريح، فإذا تلفظ بها المسلم وقع الطلاق على زوجته دون اعتبار لنيته, أما إذا تلفظ بألفاظ الكناية فإن الطلاق لا يقع إلا إذا كان ناويا إيقاعه, فلو قال لزوجته: اذهبي إلى بيت أهلك, أو: احتجبي عني، أو: لا سلطان لي عليك, فإن الطلاق لا يقع إلا بنية إيقاع الطلاق. ومن الألفاظ التي يحدد معناها نية اللافظ معاني اليمين, فلو حلف أن لا يدخل بيت فلان، وكان يقصد البيت الذي يسكنه فإنه يحنث بدخوله ولو كان مستأجَرا، وإن كان يقصد البيت الذي يملكه فإنه يحنث بدخوله ولو لم يسكنه. ومن أدلة هذه القاعدة أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم دخل قرية فيها ملك جبار، فأرسل إليه الملك: من هذه معك؟ فقال إبراهيم: «أختي»، فقال الملك: أرسل بها، فأرسل إبراهيم بها إليه وقال لها: «لا تُكذِّبي قولي، فإني قد أخبرته أنك أختي» رواه أحمد وأبو داود، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام الخليل إبراهيم بقوله في حديث الشفاعة: «فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا, فيقول:إني لست هناكم، إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «والله إن - أي ما - حاول بهن إلا عن دين الله، قوله: «إني سقيم», وقوله: «بل فعله كبيرهم هذا»، وقوله لامرأته حين أتى على الملك: إنها أختي» رواه أحمد. ومن الأدلة أيضا ما رواه سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج الناس أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي، فخلَّى عنه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنت كنت أبرَّهم وأصدقَهم، صدقت,المسلم أخو المسلم» رواه أحمد، ولذلك فإن التورية في الكلام والأيمان جائزة، بأن يقصد المتكلم من كلامه غير المعنى المتبادر من الألفاظ، أو ينوي فيه خلاف الظاهر. ويستثنى من ذلك اليمين عند القاضي في الدعاوى، فإن النية يجب أن تكون على نية القاضي وليس على نية الحالف، وإلا ضاعت الحقوق، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «اليمين على نية المستحلِف» رواه مسلم وابن ماجه