من قدسيَّة المكان يفوح عبير الإيمان، وتتردَّد أصداء الذِّكرى، وتتشوَّف النَّفس إلى أن تأخذ حظها من جلالة المكان، ومن عظمة المكانة تتجلى القيمة الإيمانيَّة التي اكتسبها المكان، وهذا ما حظي به مسجد قباء الذي وردت في فضله الأحاديث النبويَّة الشريفة، ومن ذلك ما رواه الصَّحابيُّ الجليل سهل بن حُنيف -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتِهِ، ثم أتى مسجدَ قُبَاء، فصلَّى فيه صلاةً، كان له كأجر عمره» رواه أحمد. ولعظمة المكان فقد جال الشُّعراء بوجدانهم في تلك القيمة العالية التي احتضنتها طيبة بين ظهرانيها، وذلك الثَّواب الجزيل الذي يجدونه فيه، يقول الشَّاعر محمد المجذوب -رحمه الله- في قصيدته «نَفَحَاتٌ من قُبَاء»: كَسَا (قُبَاءَ) جَلَالاً لَا يُزَايلُها عَلَى الزَّمَان، وكَانَتْ قَبْلَه طَلَلَا تَهْفُو إِليْهِ قُلُوبُ المُتَّقِينَ لِمَا يَضُمُّ مِنْ ذِكْريَاتٍ تَبْعَثُ الأَمَلَا وضَاعَفَ اللهُ أَجْرَ العَامِرِينَ لَهُ بُشْرَى الحَبِيبِ الَّتِي قَد أَصْبَحَتْ مَثَلَا فَرَكْعَتَانِ بِه كَالْعُمْرَةِ اكْتَمَلَتْ إذَا خُشُوعُ المُصَلِّي فِيهِمَا اكْتَمَلَا وكَيْفَ لَا يُضْعِفُ اللهُ الثَّوابَ بهِ وذَرَّةٌ في رِضَاهُ تَعْدِلُ الجَبَلَا !! إِذَا عَلَا مِنْهُ دَاعِي الحَّقِ ثُبْتُ إِلى نَجْوَى مَعَ اللهِ تَجْلُو الهَمَّ والمَلَلَا وفي صورة تشخيصيه تُعبِّر عن تجسيد المكان وحيويَّته، فهو ناطق في وجدان الشَّاعر يفصح عن كينونة المكانة وأثرها، وما تمثله من رمز لا يُنسى مدى الأزمان، وهي ملمح يظهر كثيرًا في شعر الشَّاعر المدني كما في قصيدة «أنا في طيبة» للشَّاعر محمد العيد الخطراوي، يقول: وتَمَطَّى «العَقِيقُ» يَسْأَلُ «سلْعًا» عن صدى اللَّحْنِ في غناءِ القماري مَا الَّذِي حَلَّ في (قُبَاءٍ)؟ ومَاذَا؟ شَعَّ مِنْهَا عَلَى الرُّبَى والحِرَارِ ؟ إِنَّهُ (أَحْمَدٌ) يَحُلُّ رُبَاهَا فَتَفِيضُ الدُّرُوبُ بالسُّمَّارِ ويعجب شاعر آخر عاش في الجوِّ المدنيِّ بطبيعة المكان ونسيمه العليل، وعيونه المتدفِّقة التي شبهها بالكوثر، حيث يظهر ذلك في حديث الشَّاعر خالد محمد سالم عن قباء: حَيُّوا «قُبَاءَ» بِجَوٍّ لَا كِفَاءَ لَهُ نَسِيمُهَا لَمْ يَشُبْهُ أَيُّ مُعْتكَرِ أَقَامُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ مَسْجِدَهُ عَلَى التُّقَى مُنْذُ فِيهَا حَلَّ مِنْ سَفَرِ النَّفْسُ مِنْ «عَيْنِهَا الزَّرْقَاءِ» فِي وَلَهٍ يَا كَوْثَرَ اللهِ أَهْدَاهَا إِلى البَشَرِ ويُطلق بشير الصَّاعدي لخياله العنان فيصوِّر ذلك المجد الذي لا يضاهى، وتلك العزة المتلألئة في أرجاء المكان، يقول: تَأَمَّلَ المَجْدُ هَذَا المَجْدَ وَانْبَهَرَا وَأَطْرَقَ العِزُّ حَتَّى يَسْمَعَ الخَبَرَا هُنَا الرَّسُولُ بِه الرَّحْمَنُ شَرَّفَنَا هُنَا أَقَامَ هُنَا قَدْ رَتَّلَ السُّوَرَا هُنَا أَشُمُّ شَذَى الإِيْمَانِ يَحْمِلُهُ كَفُّ النَّسِيْمِ فَقَلْبِي هَاهُنَا أُسِرَا * الجامعة الإسلامية - المدينة المنوَّرة Mh1111m@ : تويتر