بين تعليم الأبناء الصلاة وتعويدهم على ارتياد المساجد وبين عبث بعض الأبناء وما يسببونه من إزعاج تبقى قضية تواجد الأبناء داخل المسجد وخاصة أثناء أوقات الصلاة محل جدل بين مرتادي المسجد وبعض أولياء الأمور؛ فهل هو مشروع اصطحاب الأطفال إلى المساجد؟ وكيف يمكن تجنب الفوضى التي يحدثها بعضهم؟ وما آثار سلوكياتهم المزعجة والعبثية داخل المسجد على المصلين والمتنسكين داخله؟ (الرسالة) ناقشت هذا الموضوع مع عدد من العلماء والمهتمين بهذه القضية من خلال الاستطلاع التالي: أكد أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء محمد النجيمي أن تعليم الأطفال للصلاة والذهاب بهم للمساجد أمر مسنون، وبعض الصحابة كانوا يفعلون ذلك، بل وفي شهر رمضان المبارك يأتون بهم للمسجد ويخصصون لهم ضربًا من العلم، حتى يشغلوهم إلى وقت الإفطار لكن في إطار المحافظة عليهم من قبل الوالد أو ولي أمرهم، موضحًا أنه متى ما حصل الأذى؛ فإن ذلك يدخل في إطار المنع؛ لأن الأذى ممنوع شرعًا في المسجد وغير المسجد، والأذى في بيت الله أشد، واعتبر النجيمي أن إشغال المصلين بعبث هؤلاء الأطفال أمر غير جائز شرعًا، مبينًا أن بعض الصحابة كانوا يرفعون أصواتهم بقراءة القرآن الكريم فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ومنعهم خشية أذيتهم للمصلين، هذا وهو كلام الله تعالى فما بالك بغيره من عبث الأطفال وأذيتهم داخل المسجد للمصلين بدعوى أنها سنة، ولفت النجيمي إلى أن هذه بالفعل سنة لكن لا يصح أخذ جزء من السنة وترك جزء آخر كما قال الشعراوي رحمه الله: "إن الناس دائما يأخذون من السنة ما يتناسب معهم وما لايتناسب معهم يتركونه"، ودعا النجيمي أولياء الأمور إلى تجنب أذى إخوانهم المصلين عن طريق عبث أطفالهم. وعن إصرار بعض أولياء الأمور على اصطحاب أطفالهم مع تأكد حصول الأذى قال النجيمي: هذا يخالف قول الله، ويقع في التحذير الإلهي "فليحذر الذين يخالفون عن أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، كما يدخل في قوله تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا". آثار نفسية وقال أستاذ الإرشاد النفسي بجامعة أم القرى والجامعة العربية المفتوحة الدكتور عبدالمنان ملا بار: إن اصطحاب الأطفال إلى المساجد من قبل أولياء أمورهم هو هدف سام في حقيقته لتعليم الأبناء التعود على أداء الصلوات في المساجد، مؤكدًا أنه أمر شرعي وهدف تربوي، إلا أن الأمر إذا تفلت من رقابة الأب أو ولي الأمر في اصطحاب الأطفال القصر للمسجد فإنه يخرج عن هدف تواجدهم السامي في تعليمهم الصلاة، ويحدث منهم العبث في المساجد واللعب بكل أنواعه صراخًا أو جريًا بين صفوف المصلين، والعبث في محتويات المسجد، مما ينتج عنه إزعاج المتواجدين داخل المسجد من مصلين وغيرهم فتخرجهم عن خشوعهم في الصلاة، الأمر الذي ينعكس نفسيًا على المصلين بالقلق أثناء هذا العبث، وعدم التركيز والخشوع، وأكد بار أن من الناس من يتأثر نفسيًا لأي حركة أو صوت أثناء انشغاله بأمر ما كما هو الحال في الصلاة فيحدث عنده نوع من التوتر، ويقف عاجزًا عن إتمام صلاته، كما أشار بار إلى أن ذلك قد يحدث عند المصلين نوعًا من الوساوس التي تشغلهم عن حقيقة الصلاة والخشوع فيها، كما أن ذلك قد يؤثر على الإمام وتركيزه. ولفت ملا إلى أن بعض المصلين يترك مسجدًا ما يعرف بفوضى الأطفال والعبث داخله إلى مساجد أخرى أكثر أمانًا وروحانية. نظرة سلبية من جهته قال الباحث الاجتماعي إمام وخطيب جامع الكعكي عايد بن عيد بن معلا الصاعدي: إن نظرة المجتمع في هذا الخصوص نظرة سلبية، ملمحًا إلى أن أسباب هذه الظاهرة يسيرة ومن السهل جدا تداركها والعمل على تلافيها. وسلط الصاعدي الضوء على بعضٍ من هذه الأسباب والدوافع الحقيقية موضحًا أن الطفل الذي يدخل المسجد لم يكن هدفه الأصلي هو اللعب وإنما قد تفرع هذا السلوك من حسن نية راح ضحيتها المصلون، وأشار الصاعدي إلى أن طبيعة الأطفال الصغار تجعلهم لا يدركون سوء ما يفعلون، بل إن كثيرًا منهم هدفهم أول الأمر الصلاة مع المسلمين، وتقليدهم لأداء هذه الشعيرة العظيمة، ولكن نقص التوجيه السديد من أولياء أمورهم أو من بعض الموجودين داخل المسجد قبل الشروع في الصلاة. وأضاف الصاعدي أن الأطفال في كل مجتمع هم نواته الأولى، ولو أننا أحسنا توجيههم عند إقامة الصلاة وجعلناهم يصطفون خلف صفوف الرجال، وعودناهم على هذا كل يوم لاستجابوا أو لاستجاب بعضهم، ولكننا تجاهلناهم في بداية الأمر وهم تجاهلونا في نهايته، والجزاء من جنس العمل، وأكد الصاعدي أن روحانية المسجد وهدوءه تجعل كل شيء ملفتًا للأنظار داخل المسجد، خاصة إذا كان الناس يؤدون شعيرة الصلاة؛ فرنة جوالٍ تشتّت خشوع المصلي فكيف باللعب المزعج الصادر من هؤلاء الأطفال؟ موجهًا نصيحته لأولياء أمورهم من آباء وأمهات وإخوان وأخوات أن يعلموا أبناءهم آداب الذهاب إلى المسجد وآداب الجلوس فيه. انزعاج وأذى من جانبهم يؤكد بعض مرتادي المساجد من المصلين انزعاجهم من أذية وشقاوة بعض الأطفال داخل المساجد؛ فيقول عبدالله قهوجي أحد مرتادي مسجد النايتة بالخالدية بمكةالمكرمة إنه ينبغي على ولي أمر الطفل أن يأخذ ابنه بجواره، ولا يجعله بعيدًا عنه أو في وسط الصف، بل عليه أن يأخذه في جوانب الصفوف؛ لأن أولئك الأطفال لا يدركون قيمة المسجد أو الصلاة، أو معنى الخشوع والعبادة، وتساءل قهوجي: هل تجب الصلاة على هذا الطفل الذي لا يتجاوز الثالثة أو الرابعة من عمره ليصليها في المسجد؟ مؤكدًا انزعاجه من بعض تصرفات وعبث الأطفال في المسجد مما يؤثر عليه وعلى بقية المصلين. فيما دعا مبارك القحطاني من مسجد الحسن بن علي بريع بخش بمكة أولياء أمور الأطفال بتعويد أبنائهم المحافظة على الآداب الشرعية، مشددًا -في حالة تعويدهم على الصلاة- على ضرورة الحذر من العبث داخل المسجد وإزعاج المصلين، لأن المسجد ليس مكانًا للترفيه واللعب. ولفت القحطاني إلى عبث آخر يظهر من بعض طلاب حلقات التحفيظ داخل المساجد، مطالبًا بضرورة وجود تعليمات من قبل وزارة الشؤون الإسلامية للقائمين على حلقات التحفيظ التي تهدف في الأساس إلى زرع الآداب العامة والخاصة.