ما إن تطأ قدماك عتبة بعض مساجدنا؛ حتى يصدمك مشهد مجموعة من الأطفال غير المهذبين، يلعبون ويلهون داخل ساحة المسجد.. عابثين بمحتوياته من مصاحف وأجهزة إذاعة.. معتقدين أن الحضور إلى المساجد (خرجة) للتنزه والترفيه واللعب، وليس قصدا للصلاة والعبادة وذكر الله. وما إن تقام الصلاة، ويصطف المصلون صفا واحدا، يطلبون الخشوع.. حتى تتعالى صيحات الصغار من جنبات المسجد، وتشق هرولاتهم الصفوف؛ فيُخرجوا المصلين من خشوعهم، ويثيروا انزعاجهم.. وليس بخاف أن هذه المشكلة كانت سببا في الخلاف وارتفاع الأصوات في حرم المسجد، بين معتبر للأمر بأنه طبيعي، مستشهدا بفعل رسول الله مع سبطيه الحسن والحسين، ومعتقد أن هذه الأفعال تفسد الصلاة، وتسيء إلى طهارة المسجد وقداسته. وهنا يطرح السؤال نفسه: من المسؤول عن حضور هؤلاء الأطفال وضبط حركتهم في المسجد؟.. وما مدى مشروعية ما يرتكبونه من أعمال؟.. وكيف يمكن الاستفادة من حضورهم إلى المسجد لتعليمهم آداب وتعاليم الإسلام؟ “شمس” تفتح ملف المشكلة، وتناقشه مع الأئمة والدعاة والمصلين. تعكير إيماني بداية يؤكد بندر عبدالله وجود هذه المشكلة وكثرتها في المساجد، ويقول: “لا شك أن المساجد بيوت الله التي يجب فيها الخشوع والخضوع لله سبحانه وتعالى وإقامة الصلوات فيها بكل طمأنينة”. ويضيف “إن مما يعكر صفو هذا الجو الإيماني كثرة الأطفال في المساجد، وتعالي صيحاتهم بشكل واضح ومسموع من جميع المصلين”. ويوضح أن هذا الأمر يفقد المسجد هيبته وحرمته، كما يفقد المصلين خشوعهم واستماعهم للإمام. وعن المسؤول يقول: “لا أحمّل الأطفال المسؤولية، ولكن المسؤولية على من أحضر هؤلاء الأطفال للمسجد، سواء أكان الأب أو الأخ أو غيرهما”. ويشير العبدالله إلى علاج هذه الظاهرة بقوله: “يجب على الإمام والمؤذن توعية المصلين بشكل يومي، وحثهم على عدم حضور الأطفال إلى المساجد بصورة دائمة ومستمرة، بالشكل الذي يفقد المسجد هيبته ومكانته”. عوِّدوهم.. وعلِّموهم لكن سلطان العتيبي يرى أن من الضروري اصطحاب الأطفال إلى المساجد، ويقول: “يجب تعويد الأطفال على المساجد وعلى حب الصلاة من خلال اصطحابهم للمسجد”. ويضيف: “لا يقتصر دور الأب على إحضارهم فقط، لكن يجب عليه متابعتهم ومراقبتهم ولفت انتباههم إلى عدم العبث بمحتويات المسجد”. ويوضح أن هذا يولّد لدى الطفل الاهتمام وعدم العبث بالممتلكات العامة، ويزيد وعيه”. ويقول: “كما يجب أن يتعلم كيفية الحفاظ على الهدوء والخشوع في المسجد الذي يجب أن تسوده الطمأنينة والخشوع”. لا.. لحضورهم بينما يرى ناصر المواش أن حضور الأطفال إلى المساجد لا يكون إلا للضرورة القصوى. ويقول: “لا يحضر هؤلاء الأطفال إلى المساجد إلا وقت الضرورة كمرض الأم مثلا، وبالتالي يكون الأب مجبرا على اصطحاب ابنه إلى المسجد”. ويضيف: “أما من هم فوق سن السابعة فيجب تعويدهم على المسجد، مع مراعاة انضباطهم داخل المسجد”. مكان للمرح ويوضح عبدالرحمن الشهراني أن فضاء المساجد وما حوله صار مكانا لترفيه الصغار، وأصبح حضورهم للمسجد للمرح والتسلية وإضاعة الوقت”. ويقول: “لا يسر وضع بعض المساجد بهذه الطريقة”. ويضيف: “ما أخشاه أن يكون هؤلاء الأطفال العابثون في المساجد ومن أحضرهم ممن يؤذون المؤمنين والمؤمنات”. ويتساءل: “أين الطريقة الصحيحة التي كان يربي بها الصحابة رضوان الله عليهم أبناءهم؟”. ويرجع متعب العضياني المسؤولية في هذه المشكلة إلى الآباء، ويقول: “الأطفال لا يدركون أن المسجد مكان للطاعة والعبادة والخشوع، وبالتالي يكون الآباء هم المتسببين في هذا الأمر بإحضارهم أبناءهم غير المدركين لقدسية المساجد”. ويضيف: “أمر حضور الأبناء إلى المساجد أمر مشروع لمن هم دون السابعة لتعويدهم على الصلاة وترغيبهم فيها، ولمن أكبر من السابعة يؤمرون بها ويلزمون بأداء العبادة جماعة في المسجد”. لا يمكن منعهم من جهته أكد الدكتور راشد بن مفرح الشهري القاضي بالمحكمة الكبرى في الطائف، أن “حضور الأطفال للمساجد كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم”. وأوضح أن “الحسن والحسين كانا حاضرَين في المسجد، والرسول يخطب في الجمعة على المنبر، فينزل ويحملهما ويصعد بهما المنبر، وقرأ صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)”. وأضاف أن “أمامة بنت زينب بنت رسول الله أطال الرسول عليه الصلاة والسلام في صلاته لأجلها”. وقال الشهري: “إذا كان حضور الأطفال في هدوء وسكينة في المساجد إلى حد ما، فلا إشكال فيه.. وقد كان النبي يراعي المرأة إذا سمع بكاء ابنها، وخفف الصلاة مراعيا لها”. وأضاف أن المسألة تحتاج إلى تفصيل، “حيث لا يحضر للمسجد من هو أقل من سن التمييز وهي السابعة؛ لأن في حضوره إشغالا لوالده عن صلاته، وإشغالا أيضا للمصلين”. وذكر: “أما الطفل المميز، فيفترض تدريبه من قِبل والده على الصلاة في المسجد، وعلى المصلين أيضا التعاون معه”. ودعا المصلين إلى “الهدوء وعدم التشنج والتنديد بالأب، إذا وقع من الطفل هفوة، ففي هذا تعويد للطفل على المسجد والصلاة”. وأشار الشهري إلى أننا “لا يمكن أن نمنع الأطفال من المساجد، حيث إن الطفل ميال بطبيعته إلى اللعب والحركة، فلا يحرم الآباء أبناءهم من المساجد كليا”. ووجَّه الآباء إلى “عدم إهمال أبنائهم عند حضورهم للمسجد، كما لا ينبغي التشنيع بمن يحضر أولاده للمسجد”. وأوضح أن “المسألة تحتاج إلى توسط”. ونصح الشهري الآباء المهملين أبناءهم في المسجد بألا يحضروهم إليه، “وإن حضر الطفل بإرادته، وخارج عن إرادة والده مثلا فيجب أن يتعامل الجميع معه كأسرة واحدة، ولا يصح زجر الطفل”.