أجمع شرعيّون على أن واجب الدعاة وطلبة العلم تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوقوف إلى حدّ التبليغ وبيان الحق من الباطل ، مؤكدين عدم جواز الدعاء على المدعوّين الذين لم يستجيبوا لدعوتهم ، وعدم جواز الشماتة بهم ، لافتين إلى محاذير شرعية حول هذه المسألة. حيث قال عميد كلية الشريعة سابقا الدكتور سعود الفنيسان : لايجوز الشماتة والدعاء بمن لايستجيب عن فعل المنكر ، موضحا أن المسلم واجب عليه أن يقول كلمة الحق ويدعو الآخرين بالرفق كما أمر الله سبحانه وتعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ، والله يقول : (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) ، وعلى المسلم الداعية المحتسب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يدعو بدعوة فيها اللطف والهدوء والحكمة ، فإن قُبل منه فالحمد لله ، وإن لم يُقبل منه فلا ، إلا إذا كان هذا قد عاند وأصرّ وردّ المعروف وردّ الأمر وتكرر منه ذلك يدعو عليه ، أما مجرد دعوة ما ، لشخص ما فيدعى عليه إذا لم يقبل فلايجوز هذا. وقال الفنيسان : إن من يردد أنه دعا على فلان فأصابته دعوته ، فإن في هذا تألٍ على الله تعالى ، ولاينبغي ذلك ، ولا بأس بقوله : سيدعو عليك الصالحون فلا بأس بذلك ، أما أن يقول : سأدعو عليك وقد دعوتُ على فلان فأصابته دعوتي فإن هذا من التألي ولا أرى أنه جائز. محاذير شرعية وأكد رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور محمد السهلي أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الأنبياء وهي من أجلّ وأرقى وأنبل الأعمال والمهام .، (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) ، وهذه الدعوة وكما أنها وظيفة الأنبياء فينبغي للداعي أن يتحلّى بصفات وسمات الأنبياء ألا وهي الحلم والصبر على المدعوين قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ، ولاشك أن الداعية ينبغي أن يوطّن نفسه على أنه سيجد مجابهة وممانعة من المدعوين لاسيما إذا كنا في عصر لايساعد على أمور الدعوة وعلى الفضائل ، فيجد ذلك المدعو من نوازع النفس شر الإمارة بالسوء ومن شياطين الإنس والجان ، فكان حريّ بالداعية إلى الله جل وعلا أن يحلم وأن يحتسب ويصبر على أولئك المدعوين ، فإن وجد استجابة فالحمد لله وبها ونعمت وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإن لم يجد استجابة فحين ذلك يعذر إلى الله عز وجل بأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وإنه اجتهد في نصح الأمة ، وحين نجاحه في دعوة الناس لاينبغي له أن يرجع ذلك إلى نفسه بأنه كان سببا في هداية فلان أو فلان ، ولاينبغي كذلك في الجهة المقابلة إن ردت دعوته وعودي إن يبادل العداوة للمدعو وأن ينتصر لنفسه ، لأنه حين ذلك أن عادى أو تشمت وانتصر لنفسه كان ذلك ليس لله بل انتصار للنفس ، والله جعل الخيرية لمن يدعو إليه ، فإذا كان يدعو إلى الله فإنه حينذاك لايضره عدم استجابة المدعوين له ، بل يدعو في ظهر الغيب لهم بالهداية والرشاد ، وفي سيرة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال وتطبيق في الحلم والرحمة والصبر ، فعلى المسلم الداعية إلى الله أن لاينظر إلى انتصار النفس بل ينظر إلا أن أولئك المدعوين ضحايا نفوس أمّارة بالسوء ولشيطان يقف على مرصدتهم. مبينا أن هناك محاذير شرعية في الدعاء على الناس وتأكيد إصابة المدعوين بسبب دعوة الداعي ، ففيها تزكية لنفسه أنه مستجاب الدعوة ، فيقول : دعوت عليه وأصابه كذا وكذا ، وفيها انتصار للنفس ، والثالث فيها تشمت بالمسلمين ، والرابع ، ما يدريك بأن هذا الذي أصابه من المرض بدعائك أنت فلربما كان هذا هو قضاء الله وقدره الأزلي. لايستجاب دعاؤه من جانبه قال إمام وخطيب جامع حراء بمكة الشيخ عبدالإله الصبحي : إن التشهير بالدعاء على مرتكب المنكر لايستجاب له إلا إذا كان ظالما في إدارته أو مؤسسته ومكان عمله ، مشيرا إلى أن الحكم على الناس صعب جدا إلا إذا اتضح وبان للناس الخطأ المرتكب وجرمه ، فإذا اتضح التباس الخطأ فإنه يعدّل في حينه ، أما أن يدعوَ عليه ، فإنه ليس من حقه الدعاء إذا كان الحق عاما ، لأنه يرجع لوليّ الأمر ، وأما إذا كان الحق خاصا ، فإنه ينصح انفراديا ، وإلّا تركه.