الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،،، المشغول هو الإنسان أو الوقت أو الشيء الذي شُغل بواجب حسب الشرع أو حسب العقد، وفي هذه الحالة فإنه لا يصح أن يشغل بواجب آخر. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة ما لو أحرم المسلم بالحج، وأدى معظم أركانه وأعماله، فوقف بعرفة وطاف الإفاضة وسعى بين الصفا والمروة، وتحلل التحلل الثاني، ولم يبق عليه إلا المبيت بمنى ورمي الجمار أيام التشريق، فإنه لا يصح أن يحرم بالعمرة في هذه الأيام؛ لأنه مشغول شرعا بفرض الحج، ويستثنى من ذلك جواز إدخال الحج على العمرة.ومن الأمثلة أيضا ما لو كان الرجل يملك غنمًا سائمة تبلغ نصابًا، فحل عيد الأضحى، فعزل منها شاة للأضحية، ونوى عليها، ثم حل موعد الزكاة، فإنه لا يصح أن يخرج الشاة التي نواها أضحية؛ لأنها شغلت بها، وإنما يجب عليه إخراج شاة أخرى للزكاة. ومن الأمثلة أيضا ما لو دخل شهر رمضان، وكان على المرأة قضاء أيام من رمضان السابق، فإنه لا يجوز لها أن تصوم فيه عن قضائها؛ لأن الشهر الذي حلَّ مشغول بفرضية صيام جديد. ومن الأمثلة أيضا ما لو اقترض الرجل قرضا، فطلب الدائن من المدين رهنا لضمان حقه عند حلول موعد السداد، فرهنه المدين سيارته، ثم أراد المدين أن يقترض قرضا آخر، فطلب الدائن الآخر من المدين رهنا لضمان حقه، فإنه لا يصح شرعا أن يرهنه سيارته؛ لأنها مشغولة بالدين الأول حسب العقد. ومن الأمثلة أيضا ما لو كان الرجل يملك منزلا، فأجَّره لمستأجر، فإنه لا يصح للمؤجر أن يؤجر منزله لمستأجر آخر؛ لأن المنزل شُغل - بموجب العقد - لمصلحة المستأجر الأول، فلا يصح أن ينشغل لمصلحة مستأجر آخر. وعموما فإن هذه القاعدة لا تخلو من تفصيل، يدل على دقة الفقهاء وعمق نظرهم، ولأضرب مثالا على هذا التفصيل بالبيع، فإذا باع الرجل منزله لمشترٍ، فما حكم أن يجري عليه البائع بيعًا آخر مع مشترٍ ثانٍ؟ يفصِّل الفقهاء في الحكم بناء على الاحتمالين التاليين: أولا: أن يقع البيع الثاني قبل لزوم البيع الأول، كأن وقع في زمن الخيار، وكان حق الخيار للبائع، فإن البيع الثاني صحيح، ويلغي البيع الأول، ولا يعد هذا إلغاءً للقاعدة؛ لأن المبيع لم يشغل في البيع الأول. ثانيا: أن يقع البيع الثاني بعد لزوم البيع الأول، فإن البيع الثاني باطل لا يصح؛ لأن المبيع مشغول في ملك المشتري الأول، والقاعدة تصرِّح بأن المشغول لا يشغل.