تعرضت في رسالة الشيخ بَكر بن عبد الله أَبوزيد - الأربعاء الفائت – القسم الأول في العقارات التي تجب فيها الزكاة؛ وهي تلك المعدة للبيع لأنها عروض من التجارة. واستكملاً لذات الرسالة تنشر (الرياض) باقي الأقسام الأخرى؛ علماً أن العقار: يُراد به ما يملكه الإِنسان من الأراضي, والمنشآت عليها, من البيوت, والقصور, والعمائر, والشقق, والدكاكين, ومحطات الوقود, والاستراحات, ونحوها, بأي سبب كان من أسباب الملك, من إحياء, أو شراء, أو إرث, أو هبة. لا فرق في أحكام الزكاة بين أن يملكها بأي سبب يُفيد التملك؛ إذ الزكاة فرع الملك. ولا فرق في أحكام الزكاة بين أن يكون المالك بالغاً عاقلاً أو غير بالغ ولا عاقل, يتيماً أو غير يتيم. ولا فرق في أحكام الزكاة بين أن يملك العقار جميعه, أو جزءاً منه: معيناً, أو شائعاً كالمساهمة. القسم الثاني عقار تجب الزكاة في غلته دون أصله: وهو نوعان: النوع الأول: الأرض الزراعية. الأرض المعدة للزراعة والحرث, تجب الزكاة في ثمرة الخارج منها من الحبوب والثمار يوم الحصاد والجذاذ, إذا بلغ نصاباً لا في نفس الأرض, وكانت الثمرة مما يكال ويدخر. وهذا من زكاة الخارج من الأرض لا العُرُوض التجارية, وأحكامها مفصلة لدى الفقهاء – رحمهم الله تعالى -. • فروع: 1- إذا حُوِّلَت الأرض الزراعية إلى نية البيع لها, أو تخطيطها, وجبت الزكاة في الأرض عند تمام الحول من تاريخ ذلك. 2- إذا أجر مالك الأرض الزراعية أرضه لمن يزرعها, وكانت الأجرة من النقود, وجبت على المؤجِّر لها زكاة الأجرة من تاريخ العقد إذا حال عليها الحول وبلغت نصاباً, أو بضمها إلى مال زكوي آخر من نَقْدٍ أو عروض تجارة. وإن استهلكها قبل تمام الحول فلا شيء عليه. ووجبت زكاة الزرع على المستأجر يوم حصاده؛ طرداً للقاعدة: أن الزكاة للزرع على زارع الأرض, سواء كان مالكاً أو مستأجراً أو مرتهناً. النوع الثاني: العقار المعد للإِيجار: وهذا النوع لا تجب الزكاة فيه في رقبة الملك, وإنما تجب الزكاة في أجرته – ويقال: الغلة, والريع – إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول من تاريخ عقد الإِيجار, ومقدارها ربع العشر, أي ( اثنان ونصف بالمائة ). كيفية إخراجها: يبدأ حول أجرة العقار من تاريخ عقد الإِيجار, إذا كانت الأجرة أو المتوفر منها يبلغ نصاباً بنفسه وهو:( 56 ) ريالاً فضةٍ من الريالات السعودية, أو ما يعادلها من العُمَل الورقية, أو بضمها إلى ما تجب فيه الزكاة من أمواله الزكوية من ذهب وفضة أو عُرُوْض تجارة, فيجب إخراج ربع العشر, أي (اثنان ونصف بالمائة ) ويدفعها إلى مستحقها – عند تمام الحول – من الفقراء وغيرهم من أهل الزكاة الثمانية المذكورين في آية التوبة. • فروع: 1- إذا استُهْلِكَت الأجرة, أو بعضها, قبل تمام الحول, فلا زكاة فيما استهلك منها, ويزكى ما يحول عليه الحول منها. 2- إذا كان العقار المؤجر بين شريكين فأكثر, فيشترط في زكاة نصيب كل منهم بلوغه نصاباً بنفسه وهو(56 ) ريالاً فضة من الريالات السعودية, أو ما يعادلها من العُمل الورقية, أو بضمه إلى مال زكوي آخر من نَقْدٍ أو عُروض تجارة. 3- من كان له عقار يؤجره, لكن لو حصل له قيمة يرضاها باعه, فالزكاة في الأجرة دون قيمة العقار؛ لأنه ليس من عُرُوض التجارة؛ لعدم النية الجازمة للبيع. 4- زكاة العقار المُعَدِّ للإِيجار تجب في أجرته, فلا يُسْقِطُ وجوبها كون العين مرهونة لجهة رسمية كصندوق التنمية العقاري أو لشخص بما بقي من قيمتها, أو أن مالكها مدين بدين آخر؛ لأن الدين لا يمنع الزكاة. 5- العقار المؤجر, سواء كان إيجاره باليوم أو الشهر أو العام, الزكاة في المتوفر من الإِجارة عند تمام الحول من تاريخ العقد, متى بلغت نصاباً بنفسها أو بضمها مع مال زكوي آخر من نَقْدٍ أو عُروض تجارة؛ لأنها من باب الربح, والربح يضم إلى أصله. وتُحسب الزكاة بأحد طريقين: (أ) حسب تاريخ العقد من يوم أو شهر أو عام, وهذا يحتاج إلى فتح سجل لذلك, ففيه مشقة. (ب) أن يَجْعَلَ لَهُ وقتاً معيناً يزكي فيه كُلَّ ما تَحَصَّل له, كأول شهر رمضان أو ذي الحجة, وهذا الطريق أبرأ للذمة, وهو أسهل وأيسر لمن أراد سلوك طريق السماحة, وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء والمحاويج وغيرهم من أهل الزكاة على نفسه. 6- غلة وقف الإِنسان وقفاً عقارياً على معين, تجب فيها الزكاة, كُلٌّ حسب حصته, إذا بلغت نصاباً, بخلاف الوقف الخيري على جهات البر العامة كالفقراء, فلا زكاة فيها؛ لزوال الملك, ولأنه من باب الإِنفاق في سبيل الله تعالى. 7- لاَ يُسْقِطُ وُجُوْبَ الزكاة في أجرة العقار وغلته أن ينوي صاحبها إعدادها لبناء سكن أو للنفقة أو للتزوج أو لقضاء دين, أو غير ذلك من المقاصد؛ لأنها ما زالت مالاً زكوياً متمولاً في ملكه تجب الزكاة فيها بمجرد تملكها, ولا تُعَدُّ هذه أسباباً صارفة عن وجوب الزكاة فيها؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا, إلا إذا صرفها فيما نواها له أو في غيره قبل تمام الحول عليها, فإنه لا يجب عليه فيها شيء؛ لأنها استهلكت قبلَ وجوب الزكاة فيها. 8- لا يُسْقِطُ وجوب الزكاة في أجرة العقار وغلته أن ينوي صاحبها إخراج هذه الأجرة لزكاة ماله, فإنه إن حال على الغلة الحول وجبت عليه زكاتها وإن نوى إخراجها زكاة لماله الآخر. القسم الثالث عقار تجب الزكاة في أصله وغلته: وهو العقار المؤجر ينويه للبيع, ففي رقبة الملك زكاة من تاريخ نية البيع, على ما تقدم في القسم الأول, وفي غلته زكاة من تاريخ عقد الإِيجار, على ما تقدم في القسم الأول. القسم الرابع عقار لا تجب الزكاة في أصله ولا في غلته ومنفعته: وهو ما كان خارجاً عن الأقسام الثلاثة المتقدمة, وهو مالم يُعَدَّ للبيع ولا للاستثمار ولا لهما. وهو أنواع وصور, منها: 1- العقار الموقوف على جهات بر عامة كالفقراء, فلا زكاة فيه؛ لانتفاء الملك, ومن شروط الزكاة: تمام الملك, ولأنه حق في سبيل الله. وهذا بخلاف الوقف على معين, فتجب في غلته الزكاة إذا بلغت حصة الواحد نصاباً بنفسه أو بضمه إلى مال زكوي آخر من نقدٍ أو عُروض تجارة. 2- العقار الآيل إلى الوقف, وهو المُوصى به, فيه الزكاة في حياة المُوصِي ولا زكاة فيه ابتداء من تاريخ وفاة الموصي إذا كان على جهة بر عامة, أما إذا كان لمعين فتجب في غلته الزكاة إذا بلغت حصة الواحد نصاباً بنفسها أو بضمها إلى مال له زكوي آخر. 3- العقار المعدّ لِلْقُنْيةِ كأرض أو دار للسكن, أو الفلاحة, أو مستراحاً, فلا زكاة فيه؛ لأنه مال غير تامٍّ بالفعل, فلا يُدِرُّ على مالكه ربحاً, وليس قابلاً للنماء والزيادة؛ لكونه يستغله بنفسه. 4- العقار المُعَدُّ لتشغيل مصنع مثلاً, يشغله مالكه, أما إذا أَجَّرَهُ فتَجِبُ الزكاة في الأجرة, حسبما تقدم. 5- العقار الذي ترددت نية مالكه: هل يبيعه أم لا يبيعه؟ فهو مُتَوَقِّفٌ عن أية نية له, فلم يجزم ولم يعقد العزم على بيعه, فلا تجب فيه الزكاة حتى يعقد نية البيع ويمضي حول على النية, كما تقدم. 6- العقار الذي ترددت نية مالكه بين البيع والإِيجار. 7- العقار الذي ترددت نية مالكه بين القُنية والبيع. 8- العقار المُعَدُّ للبيع, لكن حصل عليه مانع قهري يمنع مالكه من التصرف فيه, كغصبٍ له, أو دعوى فيه, ومَضَى الحول ولم يرتفع المانع, فإن الحول يبدأ من تاريخ ارتفاع المانع؛ وذلك لأن المالك غير متمكن من التصرف فيه فالملك يعتبر غير تام, إذ الملك التام هو ما كان الملك فيه تحت يد مالكه وتصرفه, فإذا كان تحت يده وتصرفه فهو ملك تام تجب فيه الزكاة. 9- العقار المُعَدُّ لِلقُنية, كسكن, إذا باعه ليشتري عقاراً أفضل منه للسكن, فلا زكاة فيه؛ لأن بيعه لغرض غير التجارة, لكن لو حال الحول على الثمن ولم يشتر البدل للسكنى لوجبت الزكاة في الثمن. 10- الأرض التي تُحْجَزُ في المخططات كمرافق, ومدارس, ومكاتب بريد, وغيرها, ومالكها ممنوع من التصرف فيها إلا إذا قررت الجهة الرسمية عدم الرغبة فيها, فلا زكاة فيها إلا بعد تمكين مالكها من التصرف فيها, فيستقبل في زكاتها حولاً من تاريخ التمكين من التصرف فيها. القسم الخامس معاملة من حوّل نيته فراراً من الزكاة بنقيض قصده: لما كانت أحكام الزكاة في عُرُوض التجارة – ومنها: (( العقارات)) – تدور على النية, وهي بين العبد وبين ربه, لذا فإنه يحرم على من وجبت عليه الزكاة تحويل نيته فراراً منها, وهو آثم, فعليه التوبة إلى الله تعالى بإعمال نيته الصادقة فيها, وإن لم يَتُبْ وعُلِمَ منه ذلك فإنه يُعامل بنقيض قصده, وتؤخذ منه الزكاة لذلك العقار. مثال ذلك: إذا كان مالك العقار نيته البيع وطَلَبُ الربح, ثم لما قرب تمام الحول حَوَّل نيته إلى الإِيجار أو القُنية فراراً مما افترضه الله عليه من الزكاة, فإنه يُعامل بنقيض قصده, فتجب عليه زكاة رقبة الملك, وتؤخذ منه قَضَاءً.