أكد الدكتور طه جابر العلواني رئيس جامعة قرطبة والرئيس السابق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن أن وصول الاسلاميين للحكم في ثورات الربيع العربي لا يعني عودة المشروع الحضاري للأمة برمته ولكنه بداية الطريق الطويل والشاق الذي نعتبر معه أن نجاح الاسلاميين ليس تشريفًا ولكنه اختبار حقيقي لتجربة تطبيق المشروع الحضاري الإسلامي، وقال في حواره مع "الرسالة" إننا لا زلنا نحن المسلمين لانفهم مانريد معتبرًا أننا بحاجة لفهم أنفسنا قبل أن نفهم الآخرين، وقال إن فكرة الدولة الدينية والدولة المدنية واردة إلينا من أوروبا التي استحالت التوفيق بين الدين والدولة نظرًا لمشكلات الكنيسة مع المجتمع المدني في ذلك الوقت ولكن لاينبغي أن يكون هناك تفريق بين الدولة الدينية والدولة المدنية في الثقافة الإسلامية لأننا دولة مدنية بالإسلام. كيف تري واقع العالم العربي بعد ثورات الربيع العربي؟ بالنسبة لرؤيتي لما هو عليه عالمنا العربي اليوم أرى أن ماحدث كان لابد أن يحدث لأن الطغيان والاستبداد اللذين انتشرا في وطننا العربي بعد جملة من الانقلابات العسكرية التي أفرزت حكومات عسكرية في مختلف البلدان ومارست السلطة كما تمارس أعمالها العسكرية في معسكراتها وتعاملت مع شعوبها كما تتعامل مع المجندين لديها معاملة تتسم بنوع من التسلط والقهر والاستبداد وفرض الأوامر بالقوة كما هو معروف هذه النفسية سادت في المراحل السابقة وماتزال في بعض الأماكن سائدة والثورات الشعبية حدثت في تونس ثم في مصر واليمن وليبيا، وسوريا الآن استطاعت أن تثبت أن الحاكم مهما استبد ومهما بلغ من طغيانه واستعلائه علي قومه هو أضعف من الشعب. تقديم البديل كيف ترى دور المفكرين والعلماء والمثقفين بعد تلك الثورات؟ للأسف بعد تلك الثورات العربية لم يستطع الثوار والمفكرون والمثقفون والعلماء تقديم البديل لتلك الأنظمة المستبدة وأن تمحو الثقافة التي مهدت للطغيان أن يستشري وأن يهيمن في تلك الفترات الماضية، فالواقع يبشر بخير وهذا الخير لآت على الفور قد يتأخر قليلًا ويأخذ وقتًا حتى يظهر فعلى الناس أن لا ييأسوا وأن لا يرتدوا إلى التفكير الثابت والفترات الانتقالية في كل بقاع الأرض لابد أن تأخذ وقتها لكي يحدث الاستقرار المطلوب ويحدث التغير بكامله وعلينا أن نصبر على بعض المعاناة ولو استطعنا أن نسرع في ذلك واستطاع النخبة والمفكرون وأهل الرأي وشبابنا أن يسرعوا الخطى نحو بناء المنظومة الجديدة فهذا يحفظ للناس ولاءهم وفرحهم بما حدث ويكونون قادرين على استيعاب الثقافة والتحول الجديد الذي يمهد لبناء أفضل. التيارات الدينية ما تفسيرك لصعود التيارات الدينية في دول الربيع العربي؟ شعوبنا مسلمة والإسلام أصيل فيها وليس طارئًا عليها وهو المشكل لثقافتها والمؤسس لحضارتها وأنا لست من هؤلاء الذين يرون أن الإسلام يمكن أن يكون برنامجًا سياسيًا لحزب أو لجهة لكن أن يكون الإسلام مرجعية لفئة ما بحيث تلتزم بقيمه ومقاصده العليا هذا أمر يتوقع بل يكون المفترض في كل مسلم سواء كان حزبًا أو مستقلًا سواء كان ليبراليًا أو دينيًا فالإسلام أصيل فإذا بنيت ثقة الجماهير بك على أساس منه هذا أمر طبيعي لأن الجماهير بطبيعتها ترى أنه لا تخف ممن يخاف الله وأظن أن صعود الإسلاميين هو اختيار أكثر منه تشريف وكأن شعوبنا تريد أن تقول أنه منذ قرن أو يزيد نختبر شتى الاتجاهات الليبرالية والقومية والإقليمية ومختلف الاتجاهات وما رأينا أنها قدمت لنا مايوازي ما قدمناه من تضحيات لبلدنا ولا أعطتنا ما نستحق فنجرب الآن ونمنح ثقتنا لهؤلاء الذين اتخذوا من الدين مرجعية لهم للعمل السياسي فأن نجحوا في إعطائهم ما هم في حاجة إليه فأظن أن الناس سوف ترحب بهم وتعيد انتخابهم وتمنحهم الثقة ولكنهم لو فشلوا مع أملي الكبير أن لاينسب ذلك الفشل للإسلام ذاته فالإسلام بريء من ذلك وهناك فرق كبير بين الدين ذاته والتدين به وهذا إنسان تنبثق تصرفاته من فقهه للدين وليس من الدين ذاته فلا يتحمل الدين مسؤولية أفراد فإذا أخطأ في التطبيق أو أخطأ في الفهم أو في الممارسة فهذه مسؤوليته هو وليس مسؤولية الدين. سلبيات كثيرة ما رأيكم في الإخوان المسلمين وبعض التيارات الدينية الآن وتركها لدورها الدعوي والتبليغ والاندماج في السياسة بهذا الشكل؟ الإخوان المسلمون لا شك أنهم حركة بدأت حركة إسلامية والسياسة كانت أحد مشروعاتها وحسن البنا نفسه رشح نفسه للمجلس النيابي في مصر في قصة معروفة فالجانب السياسي ليس طارئًا عليهم ولم يلتفتوا إليه مؤخرًا على العكس أشعر أن الجانب السياسي قد طفا على جوانب أخرى ما كان أن يطفو عليها وهي الإصلاح الاجتماعي والدعوي الثقافي والتربوي فالبلدان المسلمة في حاجة إليها أكثر منها من قضايا صراع سياسي. والقضايا السياسية لدينا أوجدت فواصل بين الحكام والشعوب أدت في كثير من الأحيان إلى سلبيات كثيرة سقطت فيها بعض الحكام وسقطت فيها بعض الشعوب وكنا في غنى عنها وكنا في حاجة إلى مشروع حضاري يحاول أن يجمع طاقتنا كلها حكامًا ومحكومين باتجاه تحقيق هذه المشروعات الحضارية وهذا ينطبق علي كل التيارات الدينية الأخرى التي لديها مشروع إسلامي حقيقي. الدينية والمدنية هناك إشكالية قائمة الآن حول الدولة الدينية والدولة المدنية كيف تري ذلك؟ الدولة الدينية والدولة المدنية هي من وارداتنا من أوروبا التي سادت في بعض المراحل في تاريخ أوروبا حينما كانت أوروبا تحكمها الكنيسة ورجالها بالاشتراك مع الأباطرة وكل إمبراطور له كنيسة معينة هو يرعاها وهي ترعاه ويخدمها من ناحية وهي تخدمه من ناحية أخرى وأعتقد أن الخلاف ليس كبيرًا بهذه الدرجة وهذا الزخم المثار حوله الآن. ماذا عن الإسلام والغرب وإشكالية التميز فى الروايات الشعبية البريطانية والأمريكيه وماذا عن الاتجاه المعادي للإسلام في الروايات وهذا اتجاه يتسارع فى النمو منذ بواكير السبعينيات؟ فى الحقيقة الأدب الغربي سواء انجليزي أو أمريكى أو إيطالي أو روماني أو فرنسي أو هولندي أو برتغالي هذا الأدب يحتفظ بذاكرة تاريخيه عميقة فكل احتكاكاتنا بالغرب وهي كثيرة، أدت إلى بلورة كثير من المخزونات الأدبية وأعطت صورة للإنسان المسلم العربي مشوهة وغيرصحيحة ولدينا 200 سنة من الحروب التي سميناها حروب الفرنجة وهم سموها الحروب الصليبية فنحن أعطيناها بعدًا قوميًا هذان قرنان من الزمان فى حروب ليست سهلة أجيال ولدت وماتت وأنتجت في ظل هذه الحروب شعرًا ونثرًا وأحلامًا وتصورًا إلى آخره فتركت في الذاكرة الغربية شئ وأنواع من التصورات جاءت بعدها صراعاتنا فى الأندلس قضينا في الأندلس 8 قرون كانت هناك صراعات كثيرة أفرزت آدابًا وشعرًا ونثرًا إلى آخره كانت هناك المساءلة الشرطية وهو تهديد أوروبا من ناحية الدولة العثمانية ثم تحول من الشرطية إلى ما عرف بدولة الرجل المريض وهى الدولة العثمانية ثم جاء الاستعمار الحديث والذاكرة الغربية تضطلع بالأدب نثرًا وشعرًا فى الصراع مع العرب والمسلمين والإسلام وغيرها وهذه الذاكرة وهذه الآداب ما تزال قائمه إلى اليوم وما يزال هناك كثير من الشعر والأدب والنثر مثلًا فرنسي وأمريكى إيطالي هولندي تجد له قصيدة أو أكثر تتحدث عن الإسلام والمسلمين وعن العرب والترك وبالتالي هذا ليس بالأمر الجديد ولا هو ابن اليوم ولكن هو داخل فى أعماق تاريخنا وتاريخهم. لم نفهم أنفسنا هذا يأخذنا لسؤال مهم هل فهم العرب الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص وما هي الأسباب الحقيقية وراء التباس الفهم العربي للغرب؟ نحن لم نفهم حتى أنفسنا فإذا أردنا أن نكون صريحين نحن أول شئ نجهله هو أنفسنا من نحن حتى الآن؟ لتحديد هويتنا مرة نقول نحن عرب ومرة مسلمون ومرة مصريون وعراقيون وفينيقيون وفراعنة وبابليون. نحن حتى الآن لم نعرف أنفسنا ولم نتفق على تحديد هويتنا فكيف يتوقع ممن لا يعرف نفسه بعد ولم يحدد هويته بدقة أن يعرف الآخرين ويحدد هويتهم. ونحن لا تشغلنا إلا المظاهر السطحية ليس لدينا صبر على التفكير، الآن الإنسان الغربي لديه شركات تحول جامعات ومراكز بحوث من أجل أحيانًا دراسة حشرة نملة – نوع من النمل – نوع من الجراد نوع من الحشرات نوع من الأشجار وقد تنفق بعثات علمية أكثر من جيل فى دراسة حشرة واحدة لكي تخرج بعد ذلك بتصور يقول الحشرة تعيش بالشكل الفلاني ويمكن أن يستفاد منها كذا ويمكن تقاوم بكذا يمكن أن تؤدي إلى الأضرار الفلانية إلى آخره ويصرف على هذا الشيء الكثير ويعين خبراء وباحثون وأساتذة ومراكز بحوث تشتغل كلها على هذا نحن لا صبر لنا على هذا وبالتالي نحن لا نعرف إلا التقليد ونعيش على التقليد وعندما نأخذه على شكله الشرعي والفقهي نقول إن التقليد خطأ والحقيقة أننا مقلدون فى كل أنواع حياتنا سياستنا اقتصادنا اجتماعنا تعليمنا سلوكنا فى الحياة كل ذلك قائم على التقليد. ما رأيك فيما يسمى بالتقارب بين المذاهب الإسلامية؟ هذه محاولات قامت فى مصر وقام عليها الأزهر وهيئة كبار العلماء المصريين ونجحت فى بعض الجهود وأسست لهذا الذي يسمى بالتقارب وأتمنى لها أن تستمر ولكن لابد لها من أن تدرك الأبعاد الزمنية والمتغيرات الجديدة التي تقتضي أن تكون هذه الجهود أكثر فاعلية.