يقول وزير الثقافة المصري الدكتور شاكر عبدالحميد إن مصر الآن حديقة كبيرة بشبابها، وودعت زمناً وضع فيه النظام البلاد كلها داخل حظيرة. ورأى أن الحوار بين الشباب والكهول هو الطريق لتحقيق أهداف الشباب. ولم يبدِ تخوفاً من وصول التيارات المسلمة إلى الحكم، ناقلاً انطباعاته عن بعض الأخوان المسلمين بالانفتاح على الفنون جميعاً. وبشر عبدالحميد بعودة مصر إلى الخارطة الثقافية العربية والعالمية بزخم وبقوة أكبر مما كان في الفترة الماضية، وأول الغيث هو معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي افتتح أمس – خلال العام الماضي، لم يمر أسبوع إلا وفي القاهرة مهرجان ثقافي أو فني، لكن في الفترة الأخيرة تعطلت كل المهرجانات. كيف السبيل إلى تفعليها خلال الفترة المقبلة؟ التغير الذي حدث في مصر تغير عنيف وغير متوقع، توقفت فيه كثير من الأنشطة، أو تأخرت، أو تقلصت. وأعتقد أن النشاط سيبدأ فعلاً يوم 22 يناير مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، وفي أبريل سيعقد مؤتمر «الثورة والثقافة»، وهو بمثابة مؤتمر دولي يشارك فيه مجموعة من المفكرين العرب والمصريين، وعُقد أيضاً مؤتمر «نجيب محفوظ في عيون الآخرين»، كيف يراه المترجمون والنقاد والأدباء والقراء في الدول الشرقية والغربية، من الصين إلى إنكلترا وأمريكا وفرنسا. وأصدرنا حوالي عشرة كتب عن الأديب الراحل نجيب محفوظ لهذه المناسبة. ومعرض الكتاب ستشارك فيه 29 دولة عربية وأجنبية، ومئات العارضين من مصر، والوطن العربي، ومن العالم، مع مجموعة ندوات فكرية وثقافية، وكل الشخصيات التي كان عليها اعتراض من النظام السابق مدعوة للحضور إلى المعرض. كما توجد لدينا مجموعة من الندوات. وفي سياق آخر، نعمل حالياً على إنتاج سلسلة كراسات ثقافية مبسطة تحتوي على مائة صفحة مكتوبة بلغة موجهة للشباب، وتناقش المفاهيم الأساسية التي تدور في الثقافة المصرية والعربية حالياً، مثل مفهوم الليبرالية، والعلمانية، والنخبة، والثورة، والاحتجاج، والتفاؤل. ومكتبة الأسرة ستعمل بشكل جديد، وفي الهيئة العامة لقصور الثقافة حوالي 13 موقعاً ثقافياً ناشطاً خلال الشهرين المقبلين، ونقوم على إنشاء الأماكن المجهزة للقراءة والعروض التشكيلية والسينمائية، في النجوع والقرى البعيدة. – الوضع في مصر الآن انتقالي، في ظل حكم القوة العسكرية. كيف تنظرون إلى مستقبل الحراك الثقافي في الفترة المقبلة؟ هنالك قوة جديدة مستندة إلى تاريخها وتراثها، بزهوها وشعورها بالانتصار في الانتخابات، وهي قوة الإخوان المسلمون التي فازت في الانتخابات. وأرى أنهم يميلون إلى فتح حوار إيجابي مع القوى المختلفة عنهم. وأتوقع أن الأمور ستسير إلى الأفضل وليس الأسوأ. قابلت بعض ممثليهم، من مسؤولي الفن في جماعة الإخوان المسلمين، وأخص بالذكر سيد درويش، أحد أعضاء الأخوان المسلمين، الذي تحدث معي عن الفرق المسرحية والموسيقية التي لديهم، وعن التعاون المزمع بينهم وبين وزارة الثقافة الحالية، ونحن رحبنا بذلك، لأننا مع ثقافة الحوار، ولسنا مع ثقافة الصدام، وفي الوقت نفسه نعتقد بأنها تجربة نستشرف من خلالها المقبل، نحو التنوع الثقافي والمشروع الحضاري. هذا ما نراهن عليه، وفي الوقت نفسه نراهن على الوسطية، ونرفض التشدد والغلو في الدين والسياسة. – حوار مرشد جماعة الإخوان المسلمين مع نقيب الممثلين أشرف عبدالغفور كان رسالة مفتوحة لتعامل الجماعة مع الفن. هل تتوقع أن تترجم تلك الرسالة إلى عدم تخويف الوسط الفني؟ هي رسالة تهدف إلى عدم التخويف، ونحن ضد التخويف بشكل عام، سواء في الفن، أو في غيره، باسم الدين، ففي هذه الحالة تعتبر إساءة للدين، وإساءة للشعب، وإساءة للنفس، ولكن لابد من طمأنة الناس، لإعطائهم الإحساس بالأمل والتفاؤل، وأن الغد سيكون أفضل. بعض الفنانين انتقدوا خطوة أشرف عبدالغفور، لأنه ذهب بنفسه، ولم يأتِ له ممثل من التيار الإسلامي، لكنني لا أره مهماً. المهم هو الحوار، لكن البعض نظر لها كما لو أن نقيب الفنانين يستسلم للإخوان. الخطوة ليست بهذا المعنى. والسؤال في النهاية: نريد الفن أو لا نريده. وأعتقد أن الأمر لن يكون كما كان في الماضي. وسيكون هنالك بعض التحفظ، والحشمة، ونحن لا نرفض ذلك، فهو نوع من الالتزام، والمواءمة، والمراعاة للأخلاق، والابتعاد عن الفن المبتذل، وهذا هو دور الفن السمو بالأخلاق، وتغير الوجدان، والعقل، وليس تغييبه وتخديره. – أعود إلى نقطة المد الديني، فبعد اغتيال السادات سادت فترة المد الديني، وواجهت مصر هذه الحركة بالحراك الثقافي، ونشر الكتاب الشعبي، وهي منهجية واضحة وقوية لتشكيل أجيال مختلفة. فهل تتوقع استمرار مثل هذا النهج في الفترة المقبلة؟ لا يوجد حل آخر، فالتنوير بهذا المعنى يبحث عن المستقبلي، وتنوير الماضي أيضاً، وتنوير بدايات القرن العشرين، بالرجوع إلى محمد عبده، وشبلي شميل، وفرح أنطون، الذين مثلوا التنوير المستقبلي. هذا ما نحتاج إليه، وهو الحوار والإبداع والتآلف. – لاحظنا فيما مضى أن الحوار يدور بين الشباب، أما النخب فكانت منعزلة عن الحراك الشبابي، فهل وضعتم استراتيجية، للتعامل مع جيل الثورة من الشباب؟ إلى حد ما، ولا أستطيع القول بشكل كبير. فالمرحلة المقبلة أعتبرها استراتيجية بعيدة المدى، والسبب أننا نقوم بدراسات عن الشباب كي نفهمهم، ونفهم كيف نلتقي معهم، وهذا سيكون عمل الندوات والدراسات، واللجان الخاصة بهم التي لا تنزع نزعة أبوية، وهذا ما أعتقد أنه يشجعهم على الإبداع، وفي الوقت نفسه لا نستطيع القول إنهم سيقومون بالمهمة بمفردهم، فلابد أن يتواجد الحوار بين الأجيال، وبعدها يسلمهم الجيل الكبير الراية، مع ملاحظة وجود مهام معينة لا يمكن أن نعتمد فيها على الشباب، بسبب نقص خبرتهم في التعامل، فالمهارات تكتسب بالتدريب والممارسة، وهو أمر يحتاج إلى وقت. هذه ليست وصاية، فالصحيح أننا كلنا شركاء في الوطن. – من خلال دراساتك العالمية في الفضاء الإبداعي، والجيل المستقبلي، ما هي الخطوات الجديدة للدخول في حوار مع الشباب؟ سؤالك مهم جداً. توجد 26 لجنة في المجلس الأعلى للثقافة، والشباب ممثلون فيها، ففي لجنة الشعر هنالك شعراء من الشباب يمثلون قصيدة النثر، التي لم تكن ممثلة سابقاً بين الأنواع الشعرية. وهنالك لجنة علم النفس، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والفنون التشكيلية، وفي كل منها عدد من الشباب، والغاية هي التحاور معهم، حتى نستفيد منهم ومن أفكارهم. وعندما كانت قصيدة النثر مرفوضة أقام الشباب مؤتمراً خاصاً بها، أما حالياً فلا يوجد رفض، ولو أرادو عقد مثل هذا المؤتمر فيمكن عقده في المجلس. ومع أن المجلس ليس مجلس الشعر، كونه مؤسسة ثقافية شاملة، لكن من حق أي حد أن يبادر في أي موضوع. – كانت مصر دائماً غنية بشبابها، لكن النظام السابق حاول إبعادهم. هل هنالك استراتيجية حالية لاستقطابهم؟ لا تتوقف المسألة عند الاستقطاب. فالآليات اختلفت، ومن لا يريد المجيء إلى المجلس لا تستطيع إجباره. اليوم هنالك حرية وتنوع واختلاف، والشاب قادر على الفرز، وما علينا سوى جمع الشباب والتحاور معهم، فالاحتواء لم يعد ممكناً، ونظرية الاحتواء والاستقطاب اندثرت بعد الثورة، والفكرة الأبوية انتهت، خصوصاً بعدما دخل عدد منهم بالبرلمان. – في فترة ما بعد الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة، هل ستستمر الاستراتيجية الثقافية نفسها التي قمتم بإنشائها خلال هذه الفترة؟ لا، لن تستمر، ويجب أن تتغير، فهنالك قوة جديدة لا يمكن أن نتجاهلها، وقوة قديمة يمكن أن تتعامل بالآليات القديمة نفسها. ولا حل هنا سوى الحوار، للوصول إلى حلول وسطى، ولابد من تنازل متبادل من طرف تجاه الآخر، للانتقال مرة واحدة نحو آليات جديدة، سواء في الفن، أو الأدب، أو الثقافة عموماً، ولابد من تثبيت المفاهيم المتعارف عليها عالمياً، فإذا أرادوا دعم «أدب إسلامي»، سنقول ليست لدينا مشكلة، لكن إلى جانب الأنواع الأخرى من الأدب، مع أن قناعتي أنه لا تصنيف للأدب، ولا يوجد ما يسمى أدب إسلامي، وأدب مسيحي، ولا تصنيف للأدب على أساس الدين، فهذه نظرة ضيقة و»قاصرة» جداً. – أنتم الآن تضعون استراتيجيات لمرحلة ستة أشهر قادمة، فهل تتوقعون أن تتخذ الحكومة الإسلامية المقبلة قرارات قد تتخوفون منها؟ ليغيروا ما يريدون، فلن ندخل في صراع حول هذه المسألة، وسنقول رأينا وندافع عنه، وفي النهاية نحن مسلمون مثلما هم مسلمون، وهم مصريون ونحن كذلك، ولا ننسى أن الأخوة الأقباط لديهم حقوق، ولابد من التعبير عن رأي أكثر من ستة ملايين مسيحي.وأحب تذكيركم بكتاب «مستقبل الثقافة في مصر» للأديب الراحل طه حسين، والفصل الأخير منه خصوصاً، أو قبل الأخير، والذي يقول «هل توجد ثقافة مصرية واحدة؟». الإجابة: نعم، توجد ثقافة مصرية واحدة، وعلى ماذا تقوم هذه الثقافة المصرية الواحدة: على أسس ثلاثة، أولاً: الوحدة الوطنية، ثانياً: المزاج المعتدل الوسطي للشعب المصري، ثالثاً: العلاقة ما بين الماضي والحاضر. لا يوجد خلاف على هذا، ونضيف إليها العدالة الاجتماعية، وتشجيع الإبداع، وروح التفاؤل والأمل. نحن جسد واحد، ولا أحد يمكن أن يستأثر بالوطن، ويجب أن نعطي الشباب فرصاً أكبر وأكثر ليأخذ دوره، وأن ندعم التفتح في داخل مفهوم الحديقة، وليس الحظيرة، فمصر الآن حديقة كبيرة، وليست حظيرة مثلما كانت في الماضي. د.شاكر عبدالحميد