سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إنها الثامنة: فش خلقك!! الشعوب الجامدة هي التي ابتليت بداء الكسل والتواكل.. واعتادت ألا ترهق نفسها بالتفكير حتى في أبسط مشكلاتها.. فتجدها تنتظر من يفكر بالنيابة عنها
* لا يلتفّ السعوديون حول برنامج (الثامنة مع داوود)، الذي أعاد صياغة علاقة كثير منهم بالساعة الثامنة مساء، وجعلها من أكثر الفترات مشاهدة، وجلبًا للإعلانات! لا يلتفّون حول ذلك البرنامج ليستمعوا إلى فتاوى، أو إلى تحليل سياسي أو اقتصادي.. أو حتى إلى معلومات ترفع من وعيهم.. فالطبق الأهم والوجبة الأكبر التي يقدمها الإعلامي داوود الشريان، والتي باتت تجتذب ملايين السعوديين كل مساء، هي مجرد جلسة (فشة خلق) أو ساعة (تنفيس) عما تكتنز صدورهم من غل على الفساد والبيروقراطية وصنّاعها.. وكأنهم يُنفّسون في المساء عمّا يرونه صباحًا من عجائب! * اللافت والعجيب أنه بالرغم من أن البرنامج لم يحقق - حتى الآن على الأقل - أي نصر يذكر على ظاهرة الفساد، ولم يساهم في حل أي مشكل ذا بال.. إلا انه ما زال يحتفظ بشعبيته وجماهيريته.. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: لماذا تنجح هذه البرامج جماهيريًا في منطقتنا العربية، رغم أنها لا تحقق للمواطن أي فائدة سوى أنها تبيع عليه مشكلاته، وتعيد إنتاج همومه!! * لا شيء يُوحّد الناس مثل الهموم المشتركة.. هذه حقيقة.. لكن الحقيقة الأكثر ملامسة للواقع هي أن هذه البرامج مجرد جلسات نفسية، تخفف عن الناس شيئًا من تلك الهموم، وإن على طريقة جلسات (الزار) الصاخبة، التي يصرخ فيها الجميع، يتراقصون ألمًا، يهذون، يقولون كل شيء.. لكنهم في الواقع، لا يقولون شيئا! * إذا كان الإعلامي الجيد هو من يطرح ما يحتاجه الناس لا ما يريدونه، فإن الفارق الأهم بين المتلقي العربي ونظيره الغربي هو أن الأول يحب الإعلامي الذي يخاطب عاطفته.. ويتبنى وجهة نظره ويتحدث نيابة عنه! ويقول على لسانه ما يريد أن يقوله هو!! أما العقلية الغربية التي تُعبِّر عما يجيش بداخلها دون الركون إلى أحد فإنها تقدم العقل على العاطفة.. وتبحث عن الإضافات المفيدة التي تكمل الصورة في ذهنها.. لذا فإنها تُقدّر الإعلامي الذي يُقدم لها رأيًا جديدًا ومختلفًا! * الشعوب الجامدة - أيها السيدات والسادة - هي تلك التي ابتليت بداء الكسل والتواكل والخمول الفكري.. والتي اعتادت ألا ترهق نفسها بالتفكير حتى في أبسط مشكلاتها.. فتجدها تنتظر من يفكر بالنيابة عنها.. سواء كان ذلك رجل دين، أو مسؤولًا.. أو حتى إعلاميًا له كاريزما داوود الشريان أو جاذبية منى الشاذلي.. الذين يشحنون نفوسهم لا عقولهم بكلام سطحي مكرور.. المهم أن يريحهم ولو قليلا. * وحتى لا نظلم المواطن العربي لا بد من القول إن الفارق الأكبر والأهم بين الثقافة الشرقية ونظيرتها الغربية يكمن في الإنسان، وطريقة التعامل معه.. ففي حين تُهمّش الأولى الإنسان بحجة الاهتمام بالمصالح العامة!! نجد أن الثقافة الغربية تتمحور بشكل كبير حول بناء الإنسان.. ما أدى إلى ازدهار القيم الإنسانية العليا المرتبطة بالوجود الإنساني.. ما أنتج مواطنًا غربيًا متصالحًا مع نفسه، ومع مجتمعه ومتفاعلًا معه.. مقابل مواطن شرقي انتهازي لا إنتاجية له!. مواطن سلبي يعتمد على غيره في حل أبسط مشكلاته.. مواطن كل همه أن ينتظر الثامنة ل(يفش) خلقه أمام شاشة التلفزيون! [email protected]