قررت وزارة الثقافة المصرية إذاعة عدد من الأغانى الوطنية لكوكب الشرق أم كلثوم في ذكرى رحيلها التي تمر هذه الأيام، حيث قامت الوزارة بتقديم مجموعة من أغانيها الوطنية على المسرح الصغير بدار الأوبرا بالقاهرة وبعض مسارح قصور الثقافة بالمحافظات، لكي تلهب مشاعر الشعب المصري إلى الوحدة الوطنية والبُعد عن الانقسام الحاصل الآن في الشارع المصري ما بين التيارات الإسلامية والقوى المدنية، لتعود بالشعب إلى الوحدة التي غنت بها بعد حرب النكسة 1976 التي دفعت الشعب إلى التماسك حتى انتصار حرب أكتوبر المجيدة. وبهذه المناسبة أقام قصر ثقافة روض الفرج (أحد أحياء القاهرة) ندوة حضرها عدد كبير من الكتّاب والمثقفين، أكدوا خلالها أن أم كلثوم سوف تظل حاضرة في ذاكرة الأمة لما قدمته من أغنيات لسنوات طويلة، وأنه لا توجد شخصية في عالم الغناء العربي حازت من الشهرة والتقدير والاحترام مثلما حصلت عليه سيدة الغناء العربي عبر مسيرة فنية امتدت لأكثر من نصف قرن، استطاعت بثبات أن تؤسّس لنفسها مكانة لم تصلها أية مطربة عربية أو مطرب عربي طوال القرن العشرين وحتى الآن. وقال الكاتب المصري صلاح فضل: إن أم كلثوم ستظل حاضرة في قلوب الأمة لما قدمته من أعمال غنائية لكافة الأعمار والأجيال، مشيرًا إلى انه لا يوجد شيء أجمع عليه العرب منذ ما يزيد على نصف القرن ولا يختلفون حوله مثلما هو الحال مع سيدة الغناء العربي، فهي أول من وحّدت العالم العربي وجعلت سكانه يجتمعون في الخميس الأول من كل شهر بجوار المذياع للاستماع إليها من المحيط إلى الخليج، وأنها تجاوزت بغنائها وبفنها وبشخصيتها الحدود القطرية عبر مسيرة حياتها الطويلة، وكانت تطوّر من مسيرة الأغنية العربية سواء من خلال الكلمة أو اللحن أو الآلات الموسيقية الحديثة التي أدخلتها على فرقتها الموسيقية، وكانت تقرأ المرحلة التاريخية بعناية ودقة لتصيغ مزاج المستمع العربي. وأضاف فضل: إن كوكب الشرق غنّت للعديد من مجالات الحياة السياسية أو الوطنية، كما أنها أبدعت في الغناء الديني ومنها أغنيتها الشهيرة «إلى عرفات الله» بأداء لا يعلو عليه، كما أننا لا ننكر المجهود الضخم البالغ في الوطنية الذي بذلته أم كلثوم في الغناء في معظم الدول العربية من أجل المجهود الحربي بعد نكسة 1967، رغم ما كانت تكابده من مشكلات صحية عديدة أبرزها مشكلات النظر والكبد، حيث جمعت أموالاً لصالح المجهود الحربي عن طريق إقامة حفلات في كل دول العالم، وقدمت أغنيات وطنية ساهمت في تعزيز الولاء والانتماء في عقول وقلوب كل المصريين. وأشار الناقد الأدبي الدكتور خالد البوهى إلى أن سيدة الغناء العربي هي مظهر من مظاهر فوران العصر والنهضة في الوطن العربي، إذ كانت شخصية واعية ومنخرطة في مشروع وطني وقومي يشمل السياسة والاقتصاد والتعليم والفن، وكانت قارئة للشعر ومتذوقة له،وتهتم بنوعية الكلمات التي تقدمها في أغانيها،إذ كانت تحذف وتضيف وتعدّل ما هو موجود في القصيدة بما تراه مناسبًا، وأنها غنت لشعراء كبار من الوطن العربي أمثال الأمير عبدالله الفيصل في أغنية «من أجل عينيك عشقت الهوى». وأضاف الدكتور البوهى: إن أم كلثوم كانت معجزة بحق، خصّها المولى سبحانه وتعالى بصوت نادر، منوهًا أنها ستظل رمزًا لمصر ورائدة الغناء في العالم العربي، خاصةً وأن أغاني كوكب الشرق ارتبطت بالثورات المصرية والعربية معًا ،وحملت هموم وطنها على أكتافها، وكانت سفيرة لبلادها، فهي المطربة الوحيدة التي كان في استقبالها رؤساء الدول، كما أنها ساهمت في لمّ الشمل العربي الذي ذهب بلا رجعة. ونوّه البوهى بأن الفن الجيد الراقي يبقى على مدى السنين، ومن يحاولون أن يقتربوا من حرية الإبداع الفني عليهم أن يأخذوا عظة من الفن الجيد الذي يبقى، فنحن لا ندافع عن أي فن لكنه دفاع عن حرية الإبداع المحترم، ولعل في ذكرى أم كلثوم نعي هذا الدرس، فهي التي غنت للحب، كما غنت: «ولد الهدى» و»نهج البردة»، وغنت «إلى عرفات الله»، وغنت «الثلاثية المقدسة»، وهي نفسها التي غنت للوطن. وكانت الراحلة أم كلثوم يرحمها الله قد ولدت في الرابع من مايو عام 1904 في إحدى قرى الدلتا المصرية، بالتحديد في محافظة الدقهلية (100 كم شمال القاهرة) لأسرة فقيرة، وتعلمت الغناء من أبيها عبر ارتيادها أفراح القرية والمدن المجاورة، وفي عام 1923 انتقلت إلى القاهرة بعد أن حازت على شهرة كبيرة في منطقة الدلتا، وبشكل خاص في غناء القصائد والموشحات الدينية. وفي القاهرة التقت بالملحن أبو العلا محمد الذي أصبح معلمها الرئيسي فيما بعد، وهو الذي قدمها للشاعر أحمد رامي الذي علمها الشعر بدوره، كما أنه كان بمثابة الوسيط بينها وبين المجتمع القاهري الغريب عليها، وقد تزوجت أم كلثوم من حسن السيد الحفناوى أحد أطبائها و استمر الزواج حتى وفاتها في فبراير 1975، بعد أن تربعت على عرش الغناء العربي لمدة نصف قرن .