برزت ظاهرة الإنشاد والمنشدين في الآونة الأخيرة إلى الواجهة وأصبحت موضوعًا لمناقشات وحوارات لم تزل تتحرك في أروقة ساحات الاستراحات والجلسات الخاصة، وذلك أن الإنشاد في الحفلات أو الإنشاد الفردي عبر التسجيلات أو القنوات قد أخذ مساحة كبيرة من اهتمامات الناس، وبخاصة أن ثمة أصواتًا مميزة وجاذبة أثبتت حضورها وقيمتها التأثيرية على المتلقي، الأمر الذي أصبح معه للمنشدين جمهور يتابع ويعرف أسماءهم وأعمالهم، ولعل القنوات الفضائية وبعض البرامج فيها على وجه التحديد قد أبرزت وجوهًا وأسماء معينة وأذكت روح التنافس بينهم، ومن خلالهم تم تسويق وتوصيل العديد من الأفكار الفنية والأشعار والقصائد القديمة والجديدة، وقد كان في ذلك إثراء للساحة الأدبية وبخاصة على المستوى الشعبي والفني، ولكن موضوع الإنشاد تكتنفه الكثير من العوامل التي قد تحد من انطلاقة المنشد وتجعله أسيرًا لنوع من الإنشاد أو لشريحة اجتماعية معينة أو في موضوع معين لا يكاد يجاوزه إلى غيره، وهذا ما جعل النقاش حول الإنشاد والمنشدين يعود إلى بروز هذه الظاهرة مرتبطة بالالتزام من جهة وببعض الأفراد المحافظين من جهة أخرى وبالأوساط الشعبية وقنواتها واحتفالاتها ومهرجاناتها من جهة ثالثة، وفي كل الأحوال فإن المنشد كمشروع يمكن أن يتطور إذا ما أتيحت له الفرص الاجتماعية والفنية المناسبة، حيث تتسع أمامه الخيارات والمشاركات دون أن يكون أسير لون واحد وفئة محدودة تكبله بتقاليدها ومتطلباتها ليضيع عمره قبل أن يفتح عينيه على الآفاق الواسعة للفن، وليكتشف متأخرًا أنه كان مشروعًا لفنان، ولكنه للأسف ضل الطريق.